أيّ بعد استراتيجي يحمله استهداف “أرامكو” في جدة؟

 

 

الكاتب – شارل أبي نادر

يحمل الاستهداف الأخير لإحدى أهم منشآت شركة “أرامكو” السعودية في جدة على البحر الأحمر أكثر من بعد، منها العسكري ومنها الاستراتيجي.

هل علمت حركة أنصار الله اليمنيّة مسبقاً بزيارة نتنياهو (السرّية) إلى المملكة العربية السعودية، بحضور وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو، والتي كُشف النقاب عنها بالتزامن مع إطلاق الصاروخ تقريباً، فعمدت إلى توجيه رسالة صاروخية نوعية عسكرية بعنوان “قدس 2″، وبأبعاد استراتيجية مهمّة تتخطّى المعركة المفتوحة منذ 6 سنوات تقريباً بين أبناء اليمن المقاومين وتحالف العدوان على اليمن، لتصل إلى الصّراع التاريخيّ الاستراتيجيّ مع الكيان الصهيوني حول مفهوم “القدس” المحتلة ومعناها وقيمتها في هذا الصّراع؟

في الواقع، يحمل الاستهداف الأخير لإحدى أهم منشآت شركة “أرامكو” السعودية في جدة على البحر الأحمر أكثر من بعد، منها العسكري ومنها الاستراتيجي، وذلك على الشكل التالي:

 

البعد العسكري

تم تنفيذ الاستهداف بواسطة صاروخ “قدس 2” المجنّح، وهو من ضمن تشكيلة صاروخية جديدة تعمل عليها القوة الصاروخية اليمنية منذ فترة طويلة واكبت تقريباً الحرب على اليمن، منذ أن اتّخذت قراراً بالسير في خلق معادلة ردع صاروخية بدأت مع صواريخ قريبة المدى، تم استعمالها في المواجهات الداخلية الميدانية في بداية الحرب على اليمن، لتكون حاسمة ومساعدة بدرجة كبيرة للثبات في الميدان على جبهات تعز والبيضاء والحديدة في مرحلة أولى، وللانتقال في مرحلة ثانية إلى الهجوم، بعد نقل المعركة نحو مناطق سيطرة تحالف العدوان على المحافظات الحدودية الثلاث: نجران وجازان وعسير.

 

يشكل “قدس 2” المجنح عنصراً حديثاً في المنظومة النوعية من منظومة الصواريخ الباليستية والمجنحة التي طورتها القوة الصاروخية للجيش واللجان الشعبية اليمنية وأنصار الله، والتي خلقت فيها معادلة الردع الصاروخي. وبحسب المتحدث العسكري اليمني، العميد يحيى سريع، فهو صاروخ جديد تمت تجربته أكثر من مرة داخل العمق السعودي. وقد نجحت هذه التجربة كما يبدو واضحاً من فعالية الاستهداف للمنشأة النفطية في جدة، إذ تفيد المعلومات بإحداثه دماراً كبيراً وخسائر ضخمة، بعد أن استهدف وسط الهدف المحدد.

 

فعالية صاروخ “قدس 2” ترتبط أساساً بقدرات الصواريخ المجنحة، والمتمثلة بمسيره أو بطيرانه على ارتفاعات منخفضة، الأمر الذي يخفف من فعالية المنظومات الصاروخية المضادة له، إذ لا تعمل الرادارات بفعالية ضد الأهداف المتحركة على علو منخفض. ويتميز “قدس 2″، بكونه من فصيلة الصواريخ المجنحة، بقدرة ذاتية على التأقلم مع تغييرات حركة الأرض.

اللافت أيضاً في هذا الاستهداف الناجح من الناحية التقنية العسكرية، أن صاروخ “قدس 2” تجاوز عدة طبقات من منظومات الدفاع الجوي الصاروخية المتطورة، مثل “باتريوت باك 3” الحديثة أو منظومات “ثاد” الأميركية الأكثر تطوراً، والتي استحصلت عليها السعودية مؤخراً. ومن الطبيعي أنها نشرتها لحماية المنشآت الحيوية، مثل “أرامكو” في جدة على البحر الأحمر، كما أن من المفترض أن تكون هذه المنظومات الدفاعية جاهزة ومتأهبة لملاحقة صواريخ حركة أنصار الله، التي كان واضحاً ومؤكّداً أنها سوف تتابع معركتها الاستراتيجية الصاروخية ضدّ المملكة التي تقود تحالف العدوان على اليمن ما دام هذا العدوان مستمراً.

من جهة أخرى، أن تصل صواريخ أنصار الله المجنّحة إلى وسط الساحل الغربي للسعودية على البحر الأحمر، فهذا يعني أن جميع المنشآت الحيوية للأخيرة ستكون معرضة للاستهداف، إذ إننا نتكلم عن استهداف “أرامكو” في جدة، وعلى بعد يناهز 900 كلم تقريباً عن حدود اليمن الشمالية.

البعد الاستراتيجي

لا يمكن عزل زيارة نتنياهو السرية السريعة إلى المملكة العربية السعودية عن التوتر القائم حالياً في المنطقة ضد محور المقاومة، والذي خلقه الرئيس ترامب على خلفيات عدة، منها تهديده غير الخفي بعمل عسكري ضد إيران، ومنها ما هو مرتبط بانتقام جنوني لخسارته الانتخابات أمام جو بايدن، وذلك عبر خلق مناورة غير مدروسة لإغراق الإدارة الجديدة في مستنقع من التوتر الحساس في منطقة الشرق الأوسط، بشكل يمنعها من الانصراف لإعادة النظر في قرار الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران وترتيب الموقف الأميركي في المنطقة، ومنها أيضاً ما يرتبط بخوف حلفاء واشنطن، وفي مقدمتهم “إسرائيل” والسعودية، من التغيير المرتقب في جهوزية الوحدات الأميركية، بعد سحب نسبة غير بسيطة من الوحدات الأميركية، الأمر الذي اعتبره هؤلاء الحلفاء ثغرة قد تؤثر في أمنهم بشكل أو بآخر.

من هنا، جاء البعد الاستراتيجي والأهمية الحساسة لاستهداف اليمنيين “أرامكو” – جدة بصاروخ “قدس 2” المجنح، بمدى يتجاوز، بحسب المعطيات، 900 كلم أوصلته إلى جدة، مع إمكانية وصوله إلى الحدود الجنوبية الشرقية لفلسطين المحتلة، وكأن الرسالة اليمنية المتعددة الأبعاد من هذا الصاروخ، يمكن تحديدها بالتالي:

– مسار الردع الصّاروخي الاستراتيجي متواصل ضد دول العدوان على اليمن، وفي مقدمتها السعودية. تطور هذا المسار واضح وثابت، من ناحية القدرات الصاروخية التي تثبت نفسها عند كل استهداف بعيد المدى في المميزات التقنية والفنية والتدميرية، ومن ناحية اختيار أهداف حساسة وحيوية، تتصاعد أهميتها العسكرية والاقتصادية والاستراتيجية بين كل استهداف وآخر بشكل واضح أيضاً.

– لا يمكن بعد اليوم، وبالنسبة إلى اليمنيين، فصل “إسرائيل” عن السعودية في الاشتراك بالعدوان على اليمن، وبالتالي، لا يمكن تحييد “إسرائيل” من المواجهة ضدّ هذا العدوان. وحيث إنَّ الانخراط الإسرائيلي في هذا العدوان ليس جديداً، استناداً إلى معطيات كثيرة تناولت المساعدة الصهيونية لوحدات التحالف في الحرب على اليمن، وخصوصاً الاستعلامية والإلكترونية والجوية، فإنَّ صاروخ “قدس 2” المجنح سيكون باكورة الصواريخ المجنّحة اليمنيّة التي سوف تكون أهدافها بعد اليوم أبعد من جدة ببضع مئات من الكيلومترات، وتماماً في الاتجاه نفسه (شمال غرب)، وصولاً إلى أراضي فلسطين المحتلة.

 

المصدر : الميادين

مقالات ذات صلة