عطوان يكتب عن زيارة نتنياهو للسعودية، والانكار السعودي

نِتنياهو زار أرض الحرمين.. وكُلّ الدّلائل تُؤكّد اجتِماعه الثّلاثي مع الأمير بن سلمان وبومبيو والنّفي السّعودي “لم يَكُن مُقنِعًا”.. لماذا تُقاد السعوديّة إلى أكبر مِصيَدة للابتِزاز والإذلال مفتوحة العينين؟ وما هِي حِسابات الرّبح والخِسارة؟

عبد الباري عطوان

عندما تُؤكّد جميع وسائل الإعلام الإسرائيليّة الرسميّة وغير الرسميّة، اللّقاء الثّلاثي الذي جمع الأمير محمد بن سلمان، وليّ العهد السعودي، مع بنيامين نِتنياهو، رئيس وزراء دولة الاحتِلال الإسرائيلي، ومايك بومبيو، وزير الخارجيّة الأمريكي، عرّاب اتّفاقات التّطبيع في مدينة “نيوم” على السّاحل الشّمالي للبحر الأحمر يوم أمس الأحد، فإنّ النّفي “الخجول” الذي أصدره الأمير فصيل بن فرحان وزير الخارجيّة السعودي في تغريدةٍ على حِسابه على “التويتر” يظَلّ غير مُقنعٍ على الإطلاق.

صحيح أنّ مكتب نِتنياهو رفض نفي أو تأكيد هذا الاجتماع، واكتفى بالقول “لا تعليق”، ولكنّ يؤاف غالانت، وزير التّعليم الإسرائيلي، وعُضو الوزارة الأمنيّة المُصغّرة أكّد هذا الاجتماع في حديثٍ لإذاعة الجيش الإسرائيلي، وقال “إنّه إنجازٌ حَلُمَ به أسلافنا، والإنجاز الرّئيسي هو القُبول الحارّ بإسرائيل من قِبَل العالم السنّي، وإزالة العداء من جُذوره”، وأضاف “بدأ يظهر محور يَضُم الولايات المتحدة وإسرائيل وكُل من يُشارك في مُواجهة التطرّف الشّيعي الإيراني”.

المُقدّمات السعوديّة تُؤدّي إلى النّتائج التي نراها حاليًّا ولاحقًا، فالأمير بن سلمان الذي يقود مسيرة التّطبيع السعوديّة، كان مُنذ أيّامه الأولى في الحُكم مُؤيّدًا لصفقة القرن، والتّقارب مع دولة الاحتِلال، ووظّف مِئات المِليارات من ثروات بلاده لدعم إدارة ترامب وصِهره جاريد كوشنر، وخططهما لتطبيق هذه الصّفقة، ومشاريع التّطبيع والتّهويد للقدس المُحتلّة، وضمّ مُعظم الضفّة الغربيّة، وغور الأردن وهضبة الجولان.

لم نسمع، أو نقرأ، تصريحًا واحدًا لوليّ العهد السعودي يُدين الاحتِلال والاستيطان وتهويد القدس، وجرائم الحرب الإسرائيليّة في الضفّة والقِطاع، وشاهدنا المملكة العربيّة السعوديّة في عهد قِيادته تفتح أجواءها للطّائرات الإسرائيليّة، وتُبارك اتّفاقات التّطبيع الإماراتيّة، والبحرينيّة والسودانيّة، وتَحذِف من المناهج الدراسيّة كُل ما يُمكِن أن يُسِيء بشَكلٍ مُباشرٍ أو غير مُباشرٍ للكيان الإسرائيلي وعقيدته.

ربّما تُراهن القيادة السعوديّة على اللّوبي الصهيوني لتخفيف غلواء الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن ضدّها، وهو الذي هدّد بوقف صفقات الأسلحة بسبب الجرائم التي يرتكبها التّحالف الذي تقوده في حرب اليمن، وتوعّده بفتح ملفّات جريمة اغتيال الصحافي السعودي جمال خاشقجي، وكُل مِلفّات انتِهاكات حُقوق الإنسان، وعدم العودة إلى الاتّفاق النّووي الإيراني، ورفع العُقوبات الاقتصاديّة بالتّالي، ولكنّه رِهانٌ ما زال سَرابًا حتّى هذه اللّحظة، فهذا اللّوبي لم يمنع الإدارة الديمقراطيّة في عهد باراك أوباما من التّفاوض سِرًّا على هذا الاتّفاق، وإقراره بالتّالي من وراء ظهر دولة الاحتِلال والحليف السّعودي المُفتَرض معًا.

جميع استِطلاعات الرأي التي أُجرِيَت على مسألة التّطبيع أكّدت أنّ الغالبيّة السّاحقة من الشّعب السّعودي تُعارضه، تمامًا مِثل جميع الشّعوب العربيّة والإسلاميّة الأُخرى، وخاصّةً في مِصر والأردن ودَولتيّ الإمارات والبحرين، ولولا القمع وأساليب التّرهيب لشاهدنا هذه الشّعوب تخرج بالملايين في الشّوارع لمُعارضة سِياسات حُكوماتها في هذا المِضمار.

التّقارب التّطبيعي ومثلما علّمتنا تجارب سابقة يتم دائمًا بالتدرّج، وعبر التّسريبات المَدروسة، والمُعدّة في مطابخ “البروبغاندا” الإسرائيليّة والأمريكيّة، ولا نَستغرِب أن يكون هُناك اتّفاق بكشف الإعلام الإسرائيلي عن اللّقاء الثّلاثي التّطبيعي في “نيوم” وزيارة نِتنياهو لأرض الحرمين الطّاهرة بصُحبة رئيس الموساد، ثم يأتي النّفي السّعودي “المُغَمْغَم”، وفي تغريدةٍ لوزير الخارجيّة الذي نَشُك بمعرفته بهذا اللّقاء مُسبَقًا، وإلا لماذا لم تَعقِد الحُكومة السعوديّة مُؤتمرًا صِحافيًّا عالميًّا، لنَفي هذه التّقارير الإسرائيليّة؟

المملكة العربيّة السعوديّة ستكون الخاسِر الأكبر لخطوات التّطبيع هذه مع “إسرائيل” لأنّها ستَفقِد هيبتها وزعامتها للعالم الإسلامي، أو ما تبقّى منها، والخطوة الأولى في هذا الصّدد حصر هذه الزّعامة في العالم السنّي فقط، ووقوفها في خندق العدوّ الإسرائيلي في مُواجهته للشّقيق الشّيعي المُسلم الذي تتم عمليّة مدروسة لشيطنته، مُقابل تبييض صفحة من يحتل المسجد الأقصى، ويُقوّض أساساته تمهيدًا لهدمه وإقامة هيكل سليمان المزعوم على أنقاضِه.

رعاية الأُسرة الحاكمة السعوديّة للحرمين الشريفين في مكّة المكرّمة والمدينة المنورة، وإشرافها على مواسم الحج والعمرة دون أيّ مُنازعٍ بالتّالي، ستُواجِه أخطارًا جديّةً، وربّما تمرّد مِلياري مُسلم في مُختلف أنحاء العالم، لأنّه سيكون من الصّعب على هؤلاء تقبّل أن يكون خادم الحرمين الشريفين صديقًا وحليفًا لمن يَحتلّون المسجد الأقصى ويذبحون أشقّاءهم في فِلسطين المُحتلّة، ويُثيرون الفِتَن الطائفيّة لتَقسيم العالم الإسلامي.

ربّما يعتقد بعض المُهرولين إلى التّطبيع هذه الأيّام أنّ الأمّة العربيّة تعيش أسْوَأ وأضعف أيّامها، وأنّ هذه هي فُرصتهم لإدارة الظّهر للثّوابت الأخلاقيّة والدينيّة والقضايا الوطنيّة العربيّة والإسلاميّة، والاستِظلال بمِظلّة الحِماية الإسرائيليّة، ولذلك يسرَحون ويمرَحون دُونَ خَوفٍ أو قلق.

نقول لهؤلاء، ومن يسير على نهجهم، إنّهم وقَعوا في أكبر مِصيَدة للابتِزاز في العالم، لأنّهم لا يَعرِفون الإسرائيليين مثلما تعرفهم الشّعوب التي حاربتهم وانتصرت عليهم في مِصر سورية ولبنان والأردن وفِلسطين المُحتلّة، في حُروبٍ امتدّت لأكثر من 50 عامًا لم تنتصر فيها إسرائيل مُطلقًا، وبالتّحديد مُنذ عام 1967، فالمرحلة الحاليّة تظَل مرحلةً عابِرةً، ولن تطول.. وطبّعوا كيفما شِئتُم.. وستندمون أشدّ النّدم.. والأيّام بيننا.

مقالات ذات صلة