التطبيع المغربي.. الخلفيات والنتائج المتوقعة

كتب – صهيب خزار

أثار إعلان التطبيع بين المغرب و”إسرائيل” جدلاً كبيراً على المستوى الإعلامي وعلى مستوى مواقع التواصل الاجتماعي التي ضجّت بالتّجاذبات بين مؤيّدٍ ومنتقدٍ لهذه الخطوة التي اعتبرها أغلبية المدوّنين خيانةً للقضيّة الجوهريّة.

لقد تابعنا جميعاً تغريدة الرئيس الأميركي المنتهية ولايته دونالد ترامب، حول اعتراف بلده “بمغربيّة” الصحراء الغربيّة، وجاءت هذه التغريدة عقب الإعلان الرسمي للتطبيع المغربي مع الكيان الصهيوني.

أثار هذا الإعلان جدلاً كبيراً على المستوى الإعلامي وعلى مستوى مواقع التواصل الاجتماعي التي ضجّت بالتّجاذبات بين مؤيّدٍ ومنتقدٍ لهذه الخطوة التي اعتبرها أغلبية المدوّنين خيانةً للقضيّة الجوهريّة للعالم الإسلامي وللإنسانيّة جمعاء بعد هذه الخطوة التي اعترفت فيها المغرب بهذا الكيان المحتلّ بعد سنواتٍ من التنسيق الصّامت بين المملكة وبين الكيان الصهيوني خاصةً فيما يتعلّق بالملف الأفريقي وخصوصاً الملف الجزائري.

وما يهمنا في هذا الموضوع توقيت الإعلان الحرج في وقتٍ تعيش فيه المغرب معاركَ مع جبهة “البوليساريو” بعد أحداث الكركرات الأخيرة وبعد إخفاق دبلوماسيٍّ مغربيٍّ دام لسنواتٍ سعياً منه لافتكاك اعترافٍ دوليٍّ واسعٍ بمغربيّة الأراضي الصحراويّة، وقد تابعنا من ناحيةٍ أخرى تبريكات شريحةٍ واسعة من المثقّفين المغربيّين المحسوبين على المخزن المغربي أو ما يُسمَّون باللّغة الدّارجة “بالعياشة” هذه الكلمة المُستقاة من جملة “عاش الملك”، وحالهم لا يختلف عن حال الحزب الحاكم التابع لحركة الإخوان المسلمين وبعض الحركات الدينية الأخرى كالحركة السلفيّة في المغرب التي لم تُصدر أيّ صوتٍ، لأن الموقف يضعها في إحراجٍ وتناقضٍ إذا عبّرت بالرفض أو النقد لهذه الخطوة، لاعتباراتٍ مذهبيّة “الولاء لوليّ الأمر” ولاعتباراتٍ أخرى عابرةٍ للحدود، فهذه الحركة لا يمكنها انتقاد فكرةٍ تؤيّدها السعودية والإمارات، إضافةً لاعتباراتٍ أخرى يطول الحديث فيها.

يتذرّع محلّلون مغاربة بأن خطوة التطبيع لها تبريراتٌ مصلحيّة، هم يحتجّون بنتيجة هذه الخطوة باعتبار أن الولايات المتحدة قد اعترفت بمغربيّة الصحراء دون أن يأخذوا بعين الاعتبار أن التغريدة التي تدخل في هذا السّياق هي لرئيسٍ منتهيةٌ ولايته وسيقدّم مفاتيح البيت الأبيض قريباً لرئيسٍ جديدٍ “جون بايدن” قد يختلف رأيه عن رأي سابقه.

إضافةً لذلك، فالمغرب الهامشيّ جيوسياسياً في القارة الأفريقية قد يفقد العديد من الاعتبارات الأخلاقيّة في المنطقة التي يتواجد فيها، والتطبيع الذي شارك فيه قد لا ينفعه في قضيّة الصحراء الغربيّة خصوصاً وأنّ جبهة “البوليساريو” لا تزال في حالة مواجهة عسكرية وسياسية.

 أمّا الأسئلة التي يمكننا أن نطرحها كمتابعين: لماذا استعملت المغرب آخر ورقةٍ “ورقة التطبيع”  لجلب الاعتراف الأميركي مادامت الصحراء له أصلاً وحقاً كما يعتقدون؟ ولماذا لا تسعى لتحرير مدينتيْ سبتة ومليلية الخاضعتين للحكم الإسباني؟ هل يعتبر المغربيّون تغريدة ترامب الأخيرة عقب الإعلان عن التطبيع انتصاراً دبلوماسياً؟   

في محاولة للإجابة عن هذه الأسئلة جميعاً، كنا قد كتبنا من قبل مقالاً عن الأدوات الإسرائيلية في أفريقيا لمواجهة أيّ حضور مستقبليٍّ للجزائر في هذه القارة. ويشكّل المغرب إحدى هذه الأدوات الموجّهة للحدّ من الدور الجزائري في القارة الأفريقية.

وتُعتبر الجزائر رافضةً لكلّ مساعي التطبيع مع الكيان الصهيوني لاعتباراتٍ عدّة: تعاظم قوة الجيش الجزائري واقتحامه مجال التصنيع “ولو في إطاره المدني” وامتلاك استراتيجية تسليحٍ عالية المستوى، تضعها “إسرائيل” تحت المجهر، خاصةً وأنّ الجزائر كانت في السبعينات تحتضن مخيّمات التدريب لحركتي أمل ومنظمة التحرير الفلسطينية، إضافةً إلى عدم انحيازها للجسم الخليجي في الجامعة العربية وعدم تورّطها في المؤامرات التي سيقت ضد سوريا والعراق واليمن وليبيا وغيرها من المخططات.

كلّ هذه الاعتبارات تدفع “إسرائيل” لاستعمال المغرب في الجهة المقابلة، حين انضم المغرب لمجلس التعاون الخليجي، ولم يُخفِ مشاركته في حرب السعودية على اليمن ووقوفه في أيّ جبهةٍ سياسيّةٍ أو دبلوماسيّةٍ أو حتى إعلاميّة ضد الجزائر. 

لهذا، فالمستور بين المغرب و”إسرائيل” والذي كُشف مؤخراّ للعلن، لا يمكننا اعتباره سوى تخبّطٍ دبلوماسيٍّ مغربيٍّ الهدف منه افتكاك مكانةٍ أفريقيّةٍ مستقبلاً بمساعدة الكيان الصهيوني والولايات المتحدة الأميركية، ولا يمكننا تصنيفها سوى في خانة “عدم أو نقص الإدراك الدبلوماسي للمملكة المغربية في هذا الإطار” لأنّ الولايات المتحدة قريباً قد تنحو منحى آخرَ في قضية الصحراء الغربيّة بعد قدوم الرئيس الجديد، ولا يمكننا اعتبار ما ذكره ترامب في تغرديته سوى تصريحٍ آنيٍّ لجلب المغرب إلى صفوف المطبّعين العرب الآخرين، وبعد ذلك لن ينفع المغرب لا “إسرائيل” ولا الولايات المتحدة الأميركية.

أما فيما يخصّ الدولة الجزائرية، صرّح رئيسها عبد المجيد تبون، مؤخراً بأنّ الجزائر لن تكون في صفوف المهرولين إلى التطبيع، فستبقى على مسارها الدبلوماسي الفاعل والصامت كالمعهود، وقد نرى في حدود منتصف سنة 2021 منحى مغايراً تماماً للقضيّة الصحراويّة وتعالياً للأصوات المنادية بضرورة “استقلال” الصحراء الغربيّة خاصةً في الإطار الأفريقي وحتى الأممي، خصوصاً إذا تأكّدت المغرب بأنّ المخطّطات الاستراتيجيّة المرتبطة بخطوط تصدير الغاز والبترول النيجيري إلى أوروبا لن يمرّ على أراضيها.

لهذا، يمكننا أن نؤكّد بأنّ الدور المحوري والرئيسي الذي يجب أن تقوم به دولةٌ معيّنة في أفريقيا حالياً سيكون مُسنداً إلى الجزائر فقط لعدّة أسبابٍ واعتباراتٍ موضوعيّة مرتبطةٍ بمفتاحيّة الدولة ومصداقيتها في القارة وثقلها الدبلوماسي والتاريخي في المنطقة. أمّا المغرب فإن التطبيع مع الكيان الصهيوني لن ينفعها في لعب أي دورٍ مستقبلي في القارة.

مقالات ذات صلة