عطوان يكتب عن التطبيع المغربي

مُناقشة “هادئة” لعُرس التطبيع “الرسمي” المغربي الإسرائيلي في الرباط وأخطاره المُستقبليّة.. تطوّران مُهمّان الأوّل جزائري والثاني موريتاني ما هُما؟ ولماذا تتصاعد تَبِعات “الفِتنة” التي بذَر بُذورها ترامب في الانتِشار؟

عبد الباري عطوان

من يُتابع هذه “الهجمة” الإسرائيليّة الأمريكيّة على المغرب وتفرّعاتها التطبيعيّة على الصّعد كافّة يَخرُج بانطِباعٍ قويٍّ مفاده أنّ هُناك خطّة مُحكمة الإعداد لعزل المغرب عن مُحيطيه العربيّ والإسلاميّ وزعزعة أمنه واستِقراره.

هذا “العُرس الإعلامي” الذي تزعّمه جاريد كوشنر اليهودي الصّهيوني المُتعصّب يوم أمس في الرباط، وتمثّل في هُبوطه بطائرة “العال” الإسرائيليّة على رأس وفد يضم مئير بن شبات، مُستشار الأمن القومي لدولة الاحتِلال الإسرائيلي كان استِفزازيًّا بكُلّ فُصوله، ليس لنا فقط، وإنّما وهذا هو الأهم، للشّعب المغربي الشّقيق العربيّ والمُسلم الذي لا يتقدّم عليه إلا القلّة في حُبّ فِلسطين ودعم قضيّة شعبها، ولو جرى فتح باب التطوّع للحرب لتحريرها لتقدّم عشرات الملايين من أبنائه ، ومن كُل الأعمار، للتّسجيل طلبًا للشّهادة.

للمرّة الألف نقول إنّ مقولة وجود مِليون اسرائيلي من أصل مغربي في “إسرائيل” يُحتّم التّواصل معهم، مقولة ملغومة ومسمومة، فهؤلاء اختاروا الانتماء إلى وطنٍ آخَر مُغتَصبًا، والانخِراط في مشروع احتِلالي عُنصري، وتنكّروا لجميل أشقائهم المغاربة، والعرب والأمازيغ والمُسلمين الذين فتَحوا لهُم قُلوبهم وبُيوتهم، وأراضيهم، ووفّروا لهُم الحِماية والأمن والاستِقرار والتّعايش على قدم المُساواة بعد أن هربوا من الاضّطهاد على أيدي الفِرَنجَة في الأندلس.

اليهودي العربي المُسالم الرّافض للمشروع الصّهيوني، والواقف في خندق الحق، والمُنتَصِر للمَظلومين في فِلسطين، من أمثال أبراهام السرفاتي، أهلًا بهم ليس في المغرب، وإنّما في جمع الدول العربيّة التي هُجّروا منها بالتّرهيب، والقنابل، والاغتِيالات، التي نفّذتها أجهزة الموساد في أحيائهم ودور السينما لإجبارهم على الرّحيل إلى الكيان الصهيوني الوليد للانضِمام إلى جيشه ومُؤسّساته، والوقائع التاريخيّة المُوثّقة حافلةٌ بالأمثلة في هذا المِضمار.

مُنذ اليوم الأوّل للإعلان عن الاختِراق التّطبيعي للمغرب الذي أعلن عنه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في تغريدةٍ له على حسابه على “التويتر”، حذّرنا من “الفِتنَة”، ونبّهنا إلى ما يَكمُن خلفها من أخطارٍ على المغرب ودول الاتّحاد المغاربي بشَكلٍ عام لأنّنا نعلم جيّدًا، ومن التّجارب العمليّة، كيف ينتهك الأمريكان الاتّفاقات، وينقضون العُهود، ويتخلّون عن حُلفائهم دُون أن يَرِفّ لهُم جفن ولنا في احتِلال العِراق الذي امتثل للتّفتيش الأُممي وقراراته، وقبلها إغراقه في حربٍ “مُفتَعَلَةٍ” مع إيران لثماني سنوات أحرقت الأخضر واليابس، وأخيرًا الانسِحاب من الاتّفاق النّووي الإيراني، أبرز الأمثلة في هذا الخُصوص.

نحن نُحِب المغرب، ولكنّنا نُحِب الجزائر، وموريتانيا، وتونس، وليبيا أيضًا، وكُل شُعوب دُول الاتّحاد المَغاربي، ولا نُريد أن يتكرّر سِيناريو الحرب العِراقيّة الإيرانيّة مُجدَّدًا في المِنطقة المَغاربيّة، خاصّةً أنّ من وضعوا عناصر الفِتنة هُم أنفسهم، ونحن نتحدّث هُنا عن الأمريكيين والإسرائيليين.

استِخدام الصّحراء، مغربيّةً كانت أو غربيّة، كغِلافٍ لتمرير هذه الفِتنة المسمومة، هو الطُّعم أو المُفَجِّر لحُروب المُستقبل الاستنزافيّة في المِنطقة، ولتأجيج الصّراع بين الأشقّاء لعُقودٍ قادمةٍ، وإغراقهم في الدّيون وعدم الاستِقرار.

سينتهي هذا العُرس التّطبيعي المُزوّر وذُيوله بعد أيّام معدودة، وستظهر الحقائق واضحةً للعيان، فالمِليارات الأمريكيّة لم تُحوّل مِصر إلى دولةٍ غنيّة، ومُعاهدة وادي عربة لم تجعل من الأردن واحةً للرّخاء، والتّسعون مِليارًا التي أنفقها ترامب ومن قبله أوباما في تغذية الحرب في سورية لم تُثمِر إلا الدّمار والقتل والتّشريد لأكثر من عشرة ملايين سوري، أمّا الربيع العربي الذي اعترف باراك أوباما في مُذكّراته بوقوف إدارته خلفه، وإشعال فتيل مُظاهراته، لتغيير أنظمة مُعيّنة تحت عُنوان الديمقراطيّة، فإنّ نتائجه واضحةٌ ولا تحتاج إلى شرحٍ.

تطوّران رئيسيّان جرت وقائعهما على الأرض في اليومين الماضيين تُغذّيان، بل تُؤكّدان، حالة القلق الكامنة في أعماقنا حول ما يُمكن أن يَحدُث في المِنطقة المغاربيّة من أخطارٍ:

·    الأوّل: تصريحات “مدروسة” ومُتّفق عليها مُسبقًا، أطلقها السيّد سليمان شنين، رئيس المجلس الشعبي الوطني الجزائري (البرلمان)، في مُناسبة فعاليّات اليوم البرلماني لتفعيل حقّ الشّعب الصّحراوي في تقرير المصير وهو حق قال “إنّ الجزائر تدعمه وتعتبره غير قابل للمُقايضة ولا للتّنازل ولا للمُراجعة” مُضيفًا “أنّ القضيّة الصحراويّة هي قضيّة تصفية استِعمار، بسبب غِياب أيّ رابطة تاريخيّة أو قانونيّة بين الشّعب الصّحراوي والاحتِلال المغربي”، أيّ أنّ دار أبي سفيان الجزائريّة ما زالت على حالها.

·    الثاني: صُدور بيان عن الجيش الموريتاني يُؤكّد أنّ قوّة مغربيّة أطلقت النّار على إحدى دوريّاته في المِنطقة الحُدوديّة الشماليّة بالقُرب من الشّريط المُتاخم للصّحراء الغربيّة، اعتبرها هدفًا مُعاديًا وتمّ التّعامل معها”، واعتَرف البيان أنّ التّحقيق الأوّلي كشف أنّ الدوريّة “اقتربت من موقع دفاعي لقوّة مغربيّة، فاعتبرتها هدفًا مُعاديًا وتمّ التّعامل معها”، وأضاف “إنّ أفراد الدوريّة الموريتانيّة ردّوا على مُدر النّيران بالمِثل وِفقًا لما تُمليه قواعد الاشتِباك قبل أن يتمّ التّعارف ويُفَضّ الاشتِباك”.

ما نُريد استِخلاصه من ذِكر هذين الواقعتين، أنّ بوادر التوتّر بدأت في الظّهور على السّطح، وعلينا نحن الحريصون على أمن المِنطقة واستِقرارها بالتّاريخ الدّموي للصّراع الذي كلّف مِليارات الدّولارات وتعطيل مشاريع التّنمية وإزهاق آلاف الأرواح.

الحرائق الكبيرة تبدأ بصِغار الشّرر وكذلك الحُروب التي لا نتمنّاها بين شُعوب شقيقة عزيزة علينا، ويُحاول الصّهاينة والأمريكان بَذر بُذورها في التّربة المغاربيّة هذه الأيّام.

خِتامًا نقول للذين يُعايروننا ويستخدمون تطبيع السّلطة الفِلسطينيّة كذريعة لتبرير تطبيعهم، نحن عارضنا، ونُعارض هذه السّلطة، واتّفاقات أوسلو وكُل ما يتَرتّب عليه من كوارثٍ مِثل التّنسيق الأمني مُنذ اليوم الأوّل لا نتردّد لحظةً في التّأكيد على أنّ التّطبيع خيانة، وهذا ينطبق على هذه السّلطة التي لا تُمثّل الشّعب الفِلسطيني، وطالبنا أكثر من مرّةٍ بحلّها ونُقطَةٌ على السّطر.

مقالات ذات صلة