عطوان يكتب عن .. قلق ترامب ونتنياهو من اليمن والعراق

لماذا يتوقع الاسرائيليون ان تأتي الضربة الانتقامية لاغتيال اللواء سليماني من اليمن او العراق؟ وهل ستصل الصواريخ “الحوثية” الباليستية المجنحة الى ايلات وبئر السبع بعد جدة وينبع شمال البحر الاحمر؟ ما اكثر ما يقلق ترامب ونتنياهو في اليمن؟

 

 

عبد الباري عطوان

عندما تتصاعد التهديدات الامريكية الإسرائيلية لإيران ومحورها مع اقتراب الذكرى السنوية الاولى لاغتيال اللواء قاسم سليماني، رئيس فيلق القدس في الحرس الثوري في كانون ثاني (يناير) الماضي، خوفا من عملية امنية ثأرية في تزامن مع الإعلان عن ارسال غواصات، وحاملات طائرات، وطائرات “B52” القاذفة العملاقة، الى اجواء ومياه منطقة الخليج، فان هذا يعني ان هذا التحشيد دليل خوف ورعب، ليس من احتمالات فشل أي ضربة عسكرية في تحقيق أهدافها، وانما من النتائج الكارثية التي قد تترتب عليها، فالقوة، ومهما تعاظمت، ليست “بوليصة” تأمين لضمان الحسم والانتصار في الحروب، ولنا في حرب اليمن، وقبلها حرب تموز (يوليو) عام 2006 في لبنان، انصع مثلين واكثرهما وضوحا.

الامر المؤكد ان منسوب التوتر يتصاعد حاليا على اكثر من جبهة في الخليج والجزيرة العربية عموما، والجميع ينتظر عود الثقاب الذي سيشعل فتيل المواجهات المتوقعة، والسؤال المطروح حاليا هو عن هوية الجهة التي ستتجرأ على اطلاق الرصاصة الاولى، هل هي ايران من خلال ضربة امنية انتقامية لاغتيال اللواء سليماني، أم “إسرائيل” المحاطة بغابة من الصواريخ، وتواجه ازمة سياسية داخلية متفجرة، ام إدارة الرئيس ترامب الرافضة التسليم بالهزيمة، ام طرف ثالث او رابع يريد توريط جميع هذه الأطراف في حرب قد تطول، وتحرق الجميع بإطلاق رصاصة طائشة؟

الرئيس ترامب يحذر من ان مقتل جندي امريكي واحد في المنطقة ستتحمل ايران مسؤولية قتله، وعليها ان تواجه ردا صاعقا، وارفق هذا التهديد بإرسال غواصة نووية الى مياه الخليج، فهل يستحق مقتل هذا الجندي اشعال فتيل الحرب في المنطقة، وبما يؤدي الى مقتل مئات الآلاف من الضحايا، وتدمير مدن وربما دول وبناها التحتية بالكامل؟ في أي عصر نعيش هذه الأيام، وهل نحن، والبشرية كلها نقف اسرى مزاجية وسادية “نيرون” امريكي او إسرائيلي آخر؟

المنطقة، وحسب المعلومات المتوفرة لدينا من اكثر من مصدر، تقول ان “إسرائيل” هي الأكثر رعبا وقلقا، لان قيادتها تعلم جيدا انها ستكون هدف أي عملية ثأر لمقتل سليماني، ولهذا تعيش هذه الأيام حالة استنفار قصوى في البر والبحر والجو، وزاد من حالة الرعب هذه الانقسامات التي تعيشها، والمظاهرات الصاخبة التي وصل تعداد المشاركين فيها الى ارقام قياسية للمطالبة برحيل بنيامين نتنياهو، مما يعني ان كل الهدايا التطبيعية التي قدمها اليه حلفاؤه العرب لم ينته مفعولها مبكرا فقط، بل لم يكن لها أي مفعول من الأساس، وربما بدأت تعطي نتائج عكسية على المُهدي، والمُهتَدى اليه معا.

تشهد المنطقة حاليا عدة أنواع من حروب التصريحات تأتي في اطار احتمالين، الأول الحرب النفسية، ومحاولات رفع معنويات الجبهات الداخلية والرأي العام، والثاني الاستعداد لاي حرب متوقعة، وربما الاثنان، معا.

احد اهم التصريحات التي صدرت في اليومين الماضيين كانت على لسان الجنرال هيداي زيلبرمان، المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي التي قال فيها “ان ايران قد تهاجم إسرائيل من العراق او اليمن”، وأضاف “لدينا معلومات ان ايران تطور في البلدين طائرات مسيرة، وصواريخ ذكية تؤهلها للوصول الى إسرائيل”، وأشار الى “ان القيادة الإسرائيلية في حالة رصد واستنفار لمواجهة اما هجوم إيراني انتقامي محدود، او حرب خاطفة”، اما التصريح الثاني الذي لا يقل أهمية، فجاء على لسان أبو الفضل عموّيي المتحدث باسم لجنة الامن القومي في البرلمان الإيراني، وقال فيه “ان بلاده تعتبر وصول أي غواصة إسرائيلية الى مياه الخليج عملا عدوانيا يعطينا الحق في الثأر”، وأضاف “ان ايران اذا ارادت القيام بعمل انتقامي فستفعل ذلك، بشكل رسمي، ولا تحتاج الى وكلاء”.

هذه هي المرة الأولى التي يتخوف فيها الإسرائيليون علانية من هجوم قادم من العراق او اليمن، وليس من جنوب لبنان، او قطاع غزة، ولا يمكن ان يأتي تحديد البلدين بهذا الشكل الواضح دون وجود معلومات شبه مؤكدة تدعم هذه الفرضية.

الحشد الشعبي الذي يضم عدة فصائل متشددة موالية لإيران هو مصدر التهديد المحتمل من العراق، وحركة “انصار الله” الحوثية هي المقصودة، بالإشارة الى اليمن، والأخيرة تملك خبرة قتالية عملياته عالية جدا، وقصفت منشآت لشركة أرامكو في العمق السعودي، ووصلت طائراتها المسيرة وصواريخها المجنحة الى ابقيق وخريص وجدة وينبع واصابت أهدافها بدقة فاجأت الامريكان والإسرائيليين الى جانب اصدقائهم المطبعين الجدد في الجزيرة العربية وباتت تملك زوارق بحرية سريعة تهدد الملاحة في مضيق باب المندب والبحر الأحمر، وبحر العرب، وباتت ناقلات النفط في مرمى صواريخها.

السيد عبد الملك الحوثي “المرشد الاعلى” لحركة “انصار الله” توعد “إسرائيل” بضرب أهدافا قاسية في عمقها في حال ارتكابها، اي “حماقة” ضد اليمن، وقال “اثبتنا جدارتنا العسكرية على مدى ست سنوات من الحرب، فالحذر الحذر”.

الإسرائيليون توصلوا الى هذه القناعة التي تقول بأن احتمالات الهجوم الانتقامي لاغتيال سليماني قد تأتي من العراق او اليمن، والأخير الأكثر ترجيحا، لانهم يدركون جيدا ان الصواريخ اليمنية الباليستية المجنحة والدقيقة التي وصلت الى جدة وينبع وسط وشمال ساحل البحر الأحمر يمكن ان تصل الى ايلات وبئر السبع، ومن يملك صاروخ “قدس 2” يملك “قدس 3” و”قدس 4″، ومن يسقط المسيرة الامريكية من طراز “غلوبال هوك” المسيرة الأمريكية على ارتفاع عشرين كيلومترا فوق مضيق هرمز يستطيع اسقاط القاذفة الامريكية العملاقة “B52” وبالصاروخ نفسه او غيره اكثر تطورا لم يتم الكشف عنه بعد.

ختاما نقول يا ويل “إسرائيل” اذا ما جرها ترامب وحلفاؤه المطبعين الجدد الى التورط في الحرب مع الرجال الرجال من اهل اليمن، فاذا كانت حربهم الأخيرة في لبنان عام 2006 امتدت الى 33 يوما، وفي غزة عام 2014 الى 55 يوما، فان حربهم في اليمن قد تمتد لسنوات، وقد تكون حربهم الأخيرة، واسألوا “التحالف العربي” وقيادته.. والأيام بيننا.

مقالات ذات صلة