لماذا تعتذر الدّول الاستعماريّة عن حُروب إبادتها للأفارقة وتدفع التّعويضات.. بينما لا تفعل الشّيء نفسه للعرب والمُسلمين؟ هل هي العُنصريّة أمْ الاحتِقار للعِرق العربيّ والعقيدة الإسلاميّة؟ وهل ستنطلق عمليّة التّغيير القادمة من قِطاع غزّة؟

بعد مُرور أكثر من مئة عام، اعترفت ألمانيا رسميًّا بارتِكابها جرائم “إبادة جماعيّة” في مُستَعمرتها السّابقة ناميبيا، وقال وزير خارجيّتها هاكو ماس إنّ بلاده ستدعم ناميبيا وأحفاد الضّحايا بحَواليّ 1.1 مليار يورو طلبًا للعفو، وجاء هذا الاعتِراف الألماني بعد يَومٍ واحد من اعتِرافٍ مُماثل للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بدور بلاده في دعم جرائم الإبادة الجماعيّة التي وقعت في رواندا عام 1994 حيث قُتِل 800 ألف من عِرقيّة التوتسي على أيدي ميليشيات قبيلة الهوتو المدعومة من الحُكومة الروانديّة.

اللّافت أنّ الدّولتين الأوروبيّتين لم تَعترِفا مُطلقًا بجرائهما ضدّ العرب أثناء الحقبة الاستعماريّة، وتتّخذان سياسات مُوالية للإسرائيليين، ودعم احتِلالهم وجرائم الإبادة التي يرتكبونها في حقّ الشّعب الفِلسطيني، فألمانيا كفّرت عن ذنبها تُجاه اليهود، بِما في ذلك المَحرقة، وقدّمت أكثر من 130 مِليارًا من الدّولارات تعويضًا حتّى الآن لدعم الكِيان الصهيوني، أمّا فرنسا ما زالت تحتفظ بجماجم الثوّار الجزائريين في متاحفها، وتَرفُض حتّى الاعتِذار والتّعويض لأكثر من مِليونيّ عربيّ مُسلم مُعظمهم من المُجاهدين الجزائريين في دول الاتّحاد المغاربي أثناء فترة استِعمارها، والشّيء نفسه يُقال أيضًا عن الدول الأوروبيّة الأُخرى مِثل بريطانيا التي تتحمّل المسؤوليّة الأكبر عن “مأساة فِلسطين” وإقامة دولةٍ لليهود على حِساب أهلها، وإيطاليا التي احتلّت ليبيا ومارست أبشع جرائم الإبادة ضدّ شعبها.

لا نَعرِف أسباب هذا التّعاطي العُنصري “الاحتقاري” ضدّ العرب والمُسلمين من قِبَل هذه الدّول الاستعماريّة، والإصرار من قِبَل حُكوماتها على دعم أعدائهم خاصّةً في فِلسطين المحتلّة حتّى هذه اللّحظة، وعرقلة أيّ عودة للحق إلى أصحابه وتطبيق قرارات الشرعيّة الدوليّة التي تُؤَكِّد ذلك.

فإذا ألقينا نظرةً سريعةً على مواقف هذه الدّول الثّلاث، أيّ بريطانيا وفرنسا وألمانيا، تُجاه المجازر وسِياسات التّطهير العِرقي التي مارستها وتُمارسها دولة الاحتِلال الإسرائيلي في حقّ الشّعب الفِلسطيني طِوال العُقود السّبعة الماضية، وآخِرها قبل أيّام في قِطاع غزّة، نَجِد أنّها تتّسم بالدّعم الكامِل والمُستَفِزّ لهذه الجرائم دُون أيّ خجلٍ أو حياء.

نحن كعرب ومُسلمين نُعامَل بهذه الطّريقة العُنصريّة الاستعلائيّة من قِبَل الدّول الأوروبيّة وأمريكا، وكأنّنا لسنا بشرًا، والسّبب في ذلك يعود إلى فساد الأنظمة العربيّة الحاكمة جميعها، ودُون أيّ استِثناء، وارتِمائها تحت أحذية الدول الغربيّة، وغُفران جميع جرائمها، بِما في ذلك نهب ثرواتنا طلبًا لنيل رِضاها، أيّ الدّول الأوروبيّة، لضَمان استِمرار بقاء هذه الأنظمة في السّلطة.

شُكرًا للقادة والشّعوب الإفريقيّة التي أجبرت هؤلاء المُستعمرين الأوروبيين على الاعتِذار وطلب الغُفران تكفيرًا عمّا ارتكَبوه من مجازر في حقّهم طِوال القرن الماضي، وأسّسوا لسابقةٍ مُشرّفة للشّعوب الأُخرى العربيّة والإسلاميّة منها خاصّةً للاقتِداء بها.

هذا الانتِصار الكبير الذي حقّقته المُقاومة في قِطاع غزّة قبل أسبوعين على الغطرسة الإجراميّة والعُنصريّة الإسرائيليّة سيكون بداية التّغيير، وعودة الكرامة، والرّوح الوطنيّة للأُمّة العربيّة، ليس فقط لتحرير الأرض والمقدّسات من الاستِعمار العُنصري الاستِيطاني الإسرائيلي، وإنّما إجبار هذه الدّول الاستعماريّة الغربيّة بقِيادة أمريكا وحلف النّاتو على الاعتِراف بجرائمهم في حقّنا، ونهب ثرواتنا، والاعتِذار ودفع التّعويضات لضحايا استِعمارهم وحُروبهم، قديمها وجديدها.. والأيّام بيننا.

“رأي اليوم”

مقالات ذات صلة