“سيف القدس” وتداعي المشروع الصهيوني: القوة العسكرية

حسن لافي

كاتب فلسطيني مختص بالشأن الإسرائيل

أثبتت معركة “سيف القدس” أنَّ “الجيش” الإسرائيلي لم يستطِع تحقيق النصر المأمول في خطّة “تنوفا” بل على العكس.

انتهت معركة “سيف القدس” بعد 11 يوماً من القتال الشرس غير المسبوق في تاريخ الصراع بين المقاومة الفلسطينية و”دولة” الاحتلال. هذه المعركة دشَّنت بداية مرحلة الأفول في تاريخ المشروع الصهيوني، إذ أظهرت اهتزاز مرتكزات المشروع الصهيوني، وهو ما كانت “إسرائيل” تحاول إخفاءه طوال الوقت، الأمر الذي قرَّرنا في ضوئه البدء بكتابة سلسلة من المقالات، توضح كيف كشفت المعركة تداعي مرتكزات المشروع الصهيوني، بدءاً من القوة العسكرية التي تعتبر من أهم مرتكزات المشروع الصهيوني، والتي يعبّر عنها “الجيش” والمؤسسة العسكرية والأمنية في “إسرائيل”، وخصوصاً أنَّها تؤثّر في تعزيز باقي المرتكزات، بدءاً من الاستيطان، وصولاً إلى الهجرة، وليس انتهاءً بدعم الإمبريالية العالمية، الأمر الَّذي أدركه المشروع الصّهيونيّ منذ بدايات تأسيس المشروع الاستيطاني في فلسطين، انطلاقاً من حقيقة أنَّ المشروع الصهيوني لن ينجح في إقناع المستوطن الصهيونيّ القادم من أصقاع الأرض بالهجرة والاستيطان والبقاء في فلسطين، ما لم يشعر بالأمن على نفسه وممتلكاته.

لقد أظهرت معركة “سيف القدس” فشل خطط “الجيش” الإسرائيلي المتعددة، الهادفة إلى استعادة مفهوم الحسم العسكري للعقيدة العسكرية الإسرائيلية، الذي يُعتبر العامل المركزي في الحفاظ على قوة الردع الإسرائيلية، إذ تعاني “إسرائيل” منذ حرب تموز/يوليو 2006 غياب قدرة “الجيش” الإسرائيلي على تحقيق الحسم العسكري.

بناءً على ذلك، اعتبرَت أن مهمَّة المؤسسة العسكرية الإسرائيلية هي رفع جهوزية “الجيش”، من أجل استعادة القدرة على الحسم العسكري، وخصوصاً بعد فشل “الجيش” الإسرائيلي في تحقيق النصر في حرب “البنيان المرصوص” على غزة في العام 2014، بعد 51 يوماً من القتال.

حاول “الجيش” الإسرائيليّ العمل على استبدال مفهوم الحسم العسكريّ، ليحل محله مفهوم النّصر، وهو المصطلح الجديد الذي أدخله غادي إيزنكوت، رئيس أركان “الجيش” الإسرائيلي الأسبق، إلى وثيقة “الجيش” الإسرائيلي في العام 2015.

وقد أكملَ تحديدَ تفاصيل مفهوم النصر المستحدث في قاموس العقيدة العسكرية الإسرائيلية رئيسُ الأركان الحالي أفيف كوخافي في خطّة “الزخم” المتعددة السنوات، إذ اعتبر أنَّ النصر عبارة عن تدمير 30% من قوة العدو المادية والبشرية، وخصوصاً في الضربة الأولى في المعركة، الأمر الذي يجبره على فقدان رغبته في القتال والرضوخ لمطالب “إسرائيل” السياسية لوقف نار طويل.

أثبتت معركة “سيف القدس” أنَّ “الجيش” الإسرائيلي لم يستطِع تحقيق النصر المأمول في خطّة “تنوفا”، بل على العكس، انهزم بشكل واضح على مستوى الخطة العسكرية أمام المقاومة الفلسطينية، التي انتقلت في معركة “سيف القدس” من التكتيكات الدفاعية التي اعتادتها في السابق، إلى التكتيكات الهجومية التي كانت تعتبر حكراً على النظرية العسكرية لـ”الجيش” الإسرائيلي، صاحب نظريات الحرب الاستباقية والضربة الأولى، إضافةً إلى مفهوم نقل المعركة إلى أرض الخصم، من خلال ثنائية الطائرة والدبابة، ناهيك باستراتيجية جزّ العشب وغيرها من الخطط الهجومية التي اعتادها “الجيش” الإسرائيلي منذ تأسيسه.

وفي اعتقادنا، إنَّ أوضح تعبير عن هذه التغيّرات في توجّهات الخطط العسكرية يتمثل في تسميات المعركة لدى الأطراف، ففي الوقت الذي أطلق “الجيش” الإسرائيلي اسمَ “حارس الأسوار” ذا الدلالة الدفاعية على العملية العسكرية، أطلقت المقاومة الفلسطينية عليها اسمَ “سيف القدس” ذا التوجهات الهجومية.

إنَّ أَخْذَ المقاومةِ الفلسطينية زمام المبادرة والمبادأة من خلال الضَّربة الأولى، أربك “الجيش” الإسرائيلي من اللحظة الأولى للمعركة، الَّتي لم يكن لديه تقديرات استخباراتية عن حجم الضربة الأولى فيها ونوعها، على الرغم من تحديد المقاومة لحظة بداية العملية عند الساعة السادسة مساء، الأمر الذي يشير إلى خلل جوهري في مرتكز الإنذار المبكر؛ المرتكز الأول في العقيدة العسكرية الإسرائيلية.

أَضِفْ إلى ذلك أنَّ المقاومة الفلسطينية باتخاذها قرار الهجوم وتحديدها ساعة الصفر في بدء المعركة، قطعت الطريق على نجاح خطة الحرب الإسرائيلية على غزة، المبنية في جوهرها على مبدأ المباغتة واختيار التوقيت الأنسب إسرائيلياً على مستوى القدرة على استهداف أكبر عدد ممكن من بنك الأهداف في الضربة الأولى، إضافةً إلى ضمان جهوزية منظومات الدفاعية الإيجابية والسلبية، المتمثّلة بمنظومة القبة الحديدية من جهة، وجهوزية الملاجئ داخل المدن والمستوطنات الإسرائيلية من جهة أخرى، الأمر الذي مثَّل فشلاً إسرائيلياً كبيراً كشفت عنه معركة “سيف القدس”.

لقد نجحت معركة “سيف القدس” في إزالة الهالة الأسطورية التي تضفيها المؤسسة العسكرية الإسرائيلية على ما تُسمّيه استراتيجية “المعركة ما بين الحربين”، التي قدَّمها “الجيش” الإسرائيلي بوصفها العلاج الأمثل إسرائيلياً لمنع تعاظم قدرات المقاومة العسكرية، من دون الحاجة إلى الذهاب إلى معركة عسكرية مفتوحة مع المقاومة، ترهق جبهة “إسرائيل” الداخلية. ما قدَّمته المقاومة الفلسطينية من تطوّرات أدخلتها إلى منظومتها الصّاروخيّة، سواء على مديات السّلاح الصّاروخي أو على حجم رؤوسها المتفجّرة، ناهيك بتقنيات إطلاقها، لم يستطع سلاح الجو الإسرائيلي التصدي لها ومنعها من الانطلاق حتى ساعة الإعلان عن وقف إطلاق النار.

يطرح فشل استراتيجيّة “المعركة ما بين الحربين” في الحدّ من القدرة الإنتاجية العسكرية للمقاومة وتطور تقنياتها وإدخال أسلحة وجبهات قتال جديدة في المعركة، في ظل الحصار والإغلاق على غزة، أسئلة كبرى داخل “مجتمع المستوطنين الصهاينة في إسرائيل”، أهمها: هل يعدّ “الجيش” الإسرائيلي مؤهلاً لتوفير الأمن للمشروع الصهيوني؟ إذ تدور في ذهن كلّ مستوطن صهيوني، وهو يطرح هذا التساؤل، مقارنة بين ما أحدثته المقاومة في غزة، والتي أطلقت 4300 صاروخ خلال معركة “سيف القدس”، وما يمكن أن يحدثه “حزب الله” في الجبهة الشمالية، والذي يعدّ قادراً، بحسب التقديرات الإسرائيلية، على إطلاق 3000 صاروخ في اليوم الواحد، ناهيك بالتخوّف الإسرائيلي الأساسي من خطر توحيد كلّ جبهات المقاومة في المعركة ضد “إسرائيل”.

لذلك، لم أستغرب كثيراً عندما شاهدت أحد المستوطنين في مدينة تل أبيب يقول على شاشة التلفزة إنه “بات مقتنعاً بأن الجيش الإسرائيلي غير قادر على حمايته”.

 

منقول عن مؤسسة الميادين

 هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي المنهاج نت وإنما تعبّر عن رأي كاتبها

مقالات ذات صلة