فلسطينيو الداخل والمشاركة في الكفاح الوطني

نبيل السهلي

 

فلسطينيو الداخل هو النعت الحقيقي للفلسطينيين، الذين بقوا تحت الحكم الإسرائيلي بعد نكبة عام 48؛ وقد عمدت إسرائيل إلى قطع اتصالهم مع محيطهم الفلسطيني والعربي، وحاولت في الوقت نفسه استيعابهم ودمجهم في المجتمع الإسرائيلي، ولكن على هامشه في كل مناحي الحياة، كما طبقت المؤسسات الإسرائيلية سياسات محكمة لطمس الهوية العربية عبر تفتيتها، فحاولت جعل الدروز والشركس قومياتٍ منفصلة، وفرضت عليهم الخدمة الإلزامية في الجيش الإسرائيلي منذ عام 1958، وحاولت التفريق بين العرب المسلمين والمسيحيين، فضلاً عن تقسيم المسيحيين إلى طوائف شرقية وغربية.

وفي الوقت الذي كافح فيه فلسطينيو الداخل ضد سياسات إسرائيل العنصرية، شاركوا في كافة مراحل الكفاح الوطني الفلسطيني بتعبيرات مختلفة متاحة، وخاصة خلال الانتفاضتين في الضفة الغربية وقطاع غزة؛ مرورا بهبة الأقصى الرمضانية وصولاً إلى التضامن مع قضية الأسرى الفلسطينيين والهروب الكبير من سجن جلبوع في بداية أيلول /سبتمبر الماضي.

 

نظام الأبارتهايد

 

مرّ فلسطينيو الداخل تحت حكم دولة الأبارتهايد بعدة فترات تهويدية إجلائية بين عامي 1948 و2021، وأشير إلى الفترة الأولى (1948- 1966) بأنها فترة الحكم العسكري الأخطر، نظراً لكثرة الإجراءات والقوانين العسكرية، فتم خلالها إصدار السلطات الإسرائيلية (34) قانوناً بغرض مصادرة الأراضي العربية الفلسطينية، سواء التي تعود ملكيتها إلى اللاجئين الفلسطينيين في الشتات، أو إلى أصحابها الموجودين في إسرائيل الحاضرين الغائبين الذين يقطنون في قرى ومدن غير التي طردوا منها، وتوالت السياسات الإسرائيلية لمصادرة مزيد من الأراضي العربية، وبلغت المصادرة أوجها في نهاية آذار (مارس) 1976 حين صادرت المؤسسة الإسرائيلية نحو 21 ألف دونم من أراضي قرى سخنين وعرابة وغيرها من القرى في الجليل والمثلث.

 وعلى خلفية ذلك، قام فلسطينيو الداخل بانتفاضة يوم الأرض في 30 آذار (مارس) من عام 1976، وسقط خلالها ستة شهداء من هذه القرى كما أسلفنا، وأصبح هذا اليوم يوماً وطنياً في حياة الشعب الفلسطيني في كل أماكن وجوده في الداخل والشتات، فتتجسد في اليوم المذكور الوحدة الوطنية الفلسطينية دفاعاً عن عروبة الأرض، وضد أن تصادرها سلطات الاحتلال.

 على الرغم من مرور أكثر من ثلاثة وسبعين عاماً على إنشاء إسرائيل، لم تستطع مؤسساتها فرض الواقع الديمغرافي الصهيوني بشكل مطلق، حيث يشكل فلسطينيو الداخل نحو 20 في المائة من إجمالي سكان إسرائيل، أي مليون وخمسمائة ألف فلسطيني، ناهيك عن أن العرب أصحاب الأرض هم أكثرية في منطقة الجليل.

ولم تتوقف السياسات التهويدية الإسرائيلية ولو للحظة، وقد شهد العقد الأخير نشاطات استيطانية كثيفة في كل أراضي فلسطين التاريخية، سواء في منطقة الجليل أو منطقة النقب أو في الضفة الغربية بما فيها القدس التي تواجه نشاطاً استيطانياً محموماً، وخصوصاً في الأحياء العربية، بغرض تهويدها وفرض الأمر الواقع الإسرائيلي عليها؛ هذا إلى جانب سياسة الإفقار التي تتبعها إسرائيل مع فلسطيني الداخل لتكريس تبعيتهم الاقتصادية، بغرض التطهير العرقي في نهاية المطاف.

 

إسرائيل ومعضلة الديموغرافيا

 

من الملاحظ أنه على الرغم من مرور أكثر من ثلاثة وسبعين عاماً على إنشاء إسرائيل، لم تستطع مؤسساتها فرض الواقع الديمغرافي الصهيوني بشكل مطلق، حيث يشكل فلسطينيو الداخل نحو 20 في المائة من إجمالي سكان إسرائيل، أي مليون وخمسمائة ألف فلسطيني، ناهيك عن أن العرب أصحاب الأرض هم أكثرية في منطقة الجليل.

ولكن في مقابل ذلك، وتبعاً لمصادرة جيش الاحتلال الأراضي العربية بذرائع الأمن، فإن الفلسطينيين، وعلى الرغم من ارتفاع مجموعهم من 151 ألفاً عام 1948 إلى نحو مليون وخمسمائة ألف عربي فلسطيني، فإنهم لا يملكون سوى ثلاثة في المائة من الأراضي التي أنشئت عليها إسرائيل.

 ولهذا ثمة ضغوط إسرائيلية مدروسة كثيفة ومتشعبة على فلسطيني الداخل، لتحقيق الهدف الديمغرافي، بعد مصادرة المساحة الكبرى من الأرض الفلسطينية، وقد أدى ذلك إلى تفاقم معاناتها، فبينما لا تتعدى معدلات البطالة بين اليهود في سوق العمل الإسرائيلي تسعة في المائة، ارتفعت معدلات البطالة بين العرب إلى أكثر من 25في المائة.

وبسبب ضعف الخيارات، يرتاد 44 في المائة من الأطفال العرب رياض الأطفال، في مقابل 95 في المائة للأطفال الصهاينة في سن ثلاث سنوات.

ويعاني أكثر من ربع الأطفال العرب داخل الخط الأخضر من ظاهرة الفقر المدقع؛ ووصلت معدلات الفقر بين فلسطيني الداخل إلى 54 في المائة؛ في وقت لا يتعدى دخل العربي 40 في المائة من دخل الإسرائيلي؛ ونتيجة للتمييز في موازنات التعليم، ارتفعت معدلات الأمية بين العرب إلى 12 في المائة مقابل خمسة في المائة بين التجمع الصهيوني الاستيطاني.

وبغرض الإخلال بالوضع الديمغرافي لصالح الرؤى الإسرائيلية، وضعت السلطات الإسرائيلية مخططاتٍ لتهويد الجليل والنقب، لكسر التركز العربي في المنطقتين، عبر مسميات مختلفة، في مقدمتها ما تسمى مشاريع التطوير.

ولم تنحصر سياسات إسرائيل العنصرية بمجال محدد، بل تعدت ذلك لتشمل مناحي الحياة كافة لفلسطيني الداخل، حيث أصدرت إسرائيل قوانين جائرة لتغيير مناهج التعليم العربية وحذف المواد المتعلقة بالتاريخ الفلسطيني والإسلامي وإجبار فلسطينيي الداخل على الالتزام بالمناهج الإسرائيلية، فضلاً عن فرض الضرائب الباهظة عليهم بنسبة أعلى من نظرائهم الصهاينة.

وتمّ إصدار رزمة من القوانين العنصرية خلال السنوات الأخيرة كان أخطرها قانون القومية؛ فضلاً عن ذلك تضمنت حملات الانتخابات الإسرائيلية خلال العقدين الأخيرين شعارات وخطابات، دعت بمجملها إلى تهميش فلسطيني الداخل في المجالات كافة، وأبعد من ذلك طالب زعماء الأحزاب الإسرائيلية وفي مقدمتهم افيغدور ليبرمان رئيس حزب “إسرائيل بيتنا” إلى طرد فلسطيني الداخل من وطنهم.

يبقى القول بأن فلسطينيي الداخل شاركوا وبقوة بكافة مراحل الكفاح الوطني الفلسطيني منذ عام 1948، في وقت يواجهون سياسات إسرائيل العنصرية التهويدية؛ وهم بذلك؛ أي فلسطينيو الداخل جزء هام وفعال من الشعب الفلسطيني؛ رغم فرض الجنسية الإسرائيلية عليهم.

والاراء والأفكار الواردة  في المقال لا تعبر بالضرورة عن سياسية الموقع وإنما تعبر عن الكاتب فقط

 

مقالات ذات صلة