مستقبل الضفة بين عجز السلطة وتغول الاستيطان

سليمان أبو ستة 

 

يثير تصريح رئيس حكومة الاحتلال نفتالي بينت عن معارضة حكومته لإقامة دولة فلسطينية، التفكير في مستقبل الضفة المحتلة في ظل التعنت الصهيوني المتواصل فعلاً على الأرض قبل أن يظهر على هيئة تصريحات، قد تتبدل أو تتغير خداعا أو تضليلا، بينما الأفعال الصهيونية على الأرض تدلل بوضوح على وجود خطة صهيونية واضحة تسعى لابتلاع الأرض، وحشر المواطنين الفلسطينيين في كانتونات صغيرة، تمهيداً لتحويلها إلى سجون كبيرة، يتحكم في كل منها بوابة صهيونية، تفتح أو تغلق وفق المزاج الصهيوني، وربما تدار كل مدينة من تلك المدن بهيئة محلية ترعى مصالح الاحتلال، بعيداً عن أي كيانية سياسية فلسطينية.

وما يمنح الاحتلال هذه الأريحية في تعزيز المستوطنين على الأرض هو الغياب شبه التام لأي مقاومة فاعلة في إرباك المستوطنين، الذين لم يعد هنالك أي رادع في سبيل انتقالهم إلى أراضي الضفة؛ حتى اقترب عددهم من نصف مليون في الضفة وحدها، عدا عن القدس، ولا يأتي هذا الغياب بسبب تخاذل المواطن الفلسطيني عن حماية أرضه، بل لأن السلطة التي تعمل بكل قوتها على تعزيز سياستي التنسيق الأمني والاعتقال السياسي، هي التي تحرم هذا المواطن من أي أدوات فاعلة يمكن أن تعزز قدرته على مقاومة المحتل. والسلطة بهذا الانشغال الواسع في القضايا الأمنية الخادمة للاحتلال تعمل واعية أو غير واعية على القضاء على قوتها، فهي من جانب تزيد من سيطرة الاحتلال على الضفة، وهو ما يتجه في النهاية لإنهاء الكيانية السياسية الفلسطينية، وفشل المشروع السياسي للسلطة، والذي بلغ صورته البائسة في إعلان عباس عن منح الاحتلال مهلة مدتها عام للانسحاب من الضفة، في تهديد يعلم الصغير والكبير أنه بلا جدوى، فلا يمكن لأي فاعل سياسي أن يحقق أهدافه دون امتلاك قوة حقيقية.

كما أنها من جانب آخر تنشغل عن محاربة الجريمة والفلتان، وهو ما بدأت مظاهره في الاتساع عبر ما نشاهده من صراعات بين العائلات الكبيرة، ومن سطو على بعض البنوك، وهو ما يفقد السلطة كثيراً من شرعيتها التي تكتسبها الحكومات والدول من قدرتها على تحقيق دوريها المتمثلين في الحماية والرعاية، وسيدفع هذا بالتالي إلى زيادة وتيرة الغضب الشعبي، ويزيد من ضعف السلطة أكثر فأكثر. يفاقم من هذه القضية السلوك الصهيوني الذي بات أكثر عنجهية في اقتحامه للمدن، وزيادة وتيرة اعتقالاته، وجرائمه، حيث استشهد خلال الشهرين الماضيين 11 فلسطينيا في الضفة، وتم اعتقال 800 فلسطيني، وأصيب أكثر من 900، ويعزز هذا بدوره من غضب المواطن الذي تعجز السلطة عن حمايته، وفي اللحظة ذاتها تعتقله إذا فكر في أي عمل مقاوم للاحتلال.

ومن الواضح أن المسار الحالي لا يمكن أن يستمر طويلاً بهذه الطريقة، فإما أن نشهد انفجاراً شعبياً فلسطينيا في وجه الاحتلال، خاصة في حال حدوث جريمة صهيونية كبيرة، سواءً بتخطيط رسمي من حكومة الاحتلال، أو بسلوك استيطاني منفلت، وإما أن تواصل السلطة مسارها الحالي في الضعف التدريجي، الذي تبدو أهم ملامحه الميدانية في تصاعد وتيرة الفلتان، وصولاً إلى نجاح مجموعات فلسطينية في تأسيس شبكات مقاومة للاحتلال، تنمو تدريجيا وتراكم خبرتها وصولا إلى تغيير الواقع في الضفة بشكل جوهري، سواءً بشكل تدريجي، أو استثماراً لأي فرصة سانحة.

أما عن السلطة نفسها فقد تشهد انقسامات حادة بين شخصيات متنفذة يسعى كل منها للسيطرة على السلطة ومشروعها، وتتصاعد خطورة هذا الوضع مع رؤية هذه الكميات الكبيرة من السلاح مع أفراد لا يستخدمونه أبداً في مواجهة الاحتلال، ولا يبدو أنه يُجهز إلا لتلك المرحلة المرتقبة من الصراع، وقد يكون ذلك بعد وفاة السيد محمود عباس، وقد يكون أثناء حياته، في حال ضعف قدرته على السيطرة بحكم السن. صحيح أن الدول الغربية أو الإقليمية قد تتدخل في هذه الحالة للحفاظ على مشروع السلطة، وتعزيز سيطرة شخصية ما عليها، لضمان بقاء هذا المشروع مواصلاً لمسيرة التنسيق الأمني مع الاحتلال، لكن الإشكالية إن هذا يتناقض أساساً مع الرؤية الصهيونية الساعية -استمرارا في تطبيق خطة الضم- لإنهاء الوجود السياسي الفلسطيني في الضفة. كل ما سبق ينبغي أن يدفع الكل الفلسطيني للبحث عن سبل لتغيير السلوك الحالي للسلطة، والذي يتجه للقضاء عليها، قبل القضاء على مستقبل الضفة وأهلها، علماً أن التضحية في مواجهة المحتل لها ثمن باهظ دون شك، لكن ثمن العجز والاستسلام أكثر فداحة وألماً.

 

بتصرف من شهاب

مقالات ذات صلة