المقاومة في الضفة مؤشرات صعود وتحديات استئصال

 

سامي الشاعر 

سارعت الولايات المتحدة الأمريكية عام ١٩٩٣م لرعاية اتفاق تاريخي يفترض أن يؤسس لعملية سلام كبرى في المنطقة العربية ينهي أطول استعمار معاصر، و وافقتها حليفتها الدولة الوظيفية ( إسرائيل) في التوقيع على اتفاق مبادئ سمي تاريخيا اتفاق أوسلو للسلام، غير أن الراعي و الحليف كانا على دراية تامة أنه اتفاق أمني وظيفي يهدف لايجاد سلطة شرعية في فلسطين ترتكز مهامها الرئيسة في نبذ العنف ومحاربة حركات المقاومة و العمل لاستئصالها، فكانت أوسلو والتي دعا الاتفاق إلى  تشكيل قوة شرطية قوية تعمل لبسط الأمن على الأرض.

تستند الأجهزة الأمنية للسلطة في عملها أنها وليدة من رحم اتفاق سلام سياسي بين دولة الاحتلال و منظمة التحرير الفلسطينية، و تحدد وظيفتها الإدارية في فرض السيطرة و منع كل أشكال المقاومة المسلحة ضد الأهداف الصهيونية، وعزز هذا الدور جملة من الاتفاقات غزة أريحا وطابا عام ١٩٩٤م الذي سمي بأوسلو الثانية، ومن الملاحظ هنا أن كل الاتفاقات المعززة لمبادئ اوسلو و التأكيد على النشاط الأمني كانت تبرم بعد جريمة صهيونية ورد فعل فلسطيني مقاوم مثل مجزرة الحرم الابراهيمي التي أعقبها عمليات الثأر بإشراف المهندس الشهيد يحيى عياش وقد خلفت ورائها أكثر من ٤٠ قتيل صهيوني.

وفي عام ١٩٩٦م وجهت السلطة ضربة استئصالية لحماس و الجهاد الإسلامي حيث شهد أكبر عملية اعتقال و إنهاء كل عمل مسلح وجرى ذلك في غزة والضفة، حتى ظن القوم أنه لم يعد هناك شيء اسمه حماس و القسام و الجهاد بعد اليوم، لكن سرعان ما تعافت المقاومة باندلاع انتفاضة الأقصى عام ٢٠٠٠م، وكانت انطلاقة جديدة لها.

اليوم تشهد مناطق الضفة المحتلة حالة استنهاض جديدة لروح المقاومة و الفعل العسكري متجاوزة في ذلك  و أدها أو استئصالها من جذورها، و قد لوحظ هذا الفعل المقاوم المكثف بعد معركة سيف القدس الأخيرة التي دبت في نفوس الشباب الفلسطيني المضطهد من السلطة عبر الاعتقال و الملاحقة و من الاحتلال من جهة أخرى عبر القتل و الاعتقال، فضلا عن مشاهدتهم لجرائم المستوطنين اليومية في القرى روحا جديدة لإحياء الفعل الثوري النضالي ضد كل أشكال الاحتلال. 

تسعى دولة الاحتلال  لتقوية السلطة الفلسطينية في الضفة أمام صعود المقاومة عبر:  – حشد الدعم الدولي للأجهزة الأمنية وتمثل ذلك في مطالبات وزير حرب الاحتلال بيني غانتس للمجتمع الغربي و أمريكا بتقديم الدعم المالي للسلطة وحل أزمتها المالية. – الموافقة الصهيونية على منح السلطة قرض مالي من المقاصة. – فتح الخطوط الساخنة من جديد بين جهاز مخابرات السلطة و جهاز السي اي ايه المخابرات الأمريكية، وإعادة فتح مكتب منظمة التحرير في واشنطن، إلى جانب تنظيم سلسلة زيارات لمسؤولين أمريكيين في إدارة الرئيس بايدن للقاء رئيس السلطة محمود عباس برام الله وتأكيد دعم أمريكا له.  جميع تلك المحاولات وغيرها تبذلها حكومة نفتالي بينيت من أجل تقوية السلطة وضمان قيامها بوظيفتها الأمنية ضد المقاومة ومناصريها.

  السلطة بكل مكوناتها وفي مقدمتها مؤسسة الرئاسة و الأجهزة الأمنية لم تتوقف في شن عمليات اعتقال وملاحقة و توقيف لكل مؤيد للمقاومة في الضفة وظهر ذلك بوضوح في مصادرة رايات الفصائل من مواكب استقبال الأسرى المحررين من سجون الاحتلال، و ملاحقة منفذي العمليات و المساعدة في اعتقالهم. في المقابل تتخذ المقاومة أشكال مختلفة في استمرارها فمعظم العمليات الأخيرة التي كانت في القدس على يد الشيخ الداعية الشهيد فادي أبو شخيدم ثم شهيد طولكرم و شهداء جنين و الشهيد جميل الكيال و ليس أخيرا باعتقال بطلي عملية حومش الشقيقين جرادات. 

يظهر الفعل المقاوم في الضفة على شكل عمليات فردية ذاتية الأمر الذي يكسبها خاصية البقاء و فرصة النجاح، و تقييد قدرة الاحتلال و أجهزة السلطة في ملاحقتها أو إيقافها، وهو مؤشر مهم أن المقاومة مستمرة و متطورة وقد نشهد في قادم الأيام عمليات تنظيمية مميزة فيها من دقة التنفيذ ومهارة الأداء ما يعجز الاحتلال عن استئصالها و السلطة في محاولة كبح جماحها.

و مما يدلل أكثر على فرص نهوض المقاومة ومؤشرات صعودها: – اصرار حكومة الاحتلال المساس بالمسجد الأقصى و توجيه المستوطنين لاقتحامه. – استمرار حكومة المستوطنين من تنفيذ مخططات التهجير العرقي لأهالي حي الشيخ جراح، ووداي الجوز خصوصا مع طرح بناء ست مستوطنات جديدة تهدد ٤٠٠ عائلة مقدسية بالترحيل. – الاعتداء على الأسرى و الأسيرات و زيادة معاناتهم في سجون الاحتلال والتنغيص عليهم بالقمع و التفتيش الليلي مع دخول فصل الشتاء و الأجواء الثلجية للسجون الصحراوية. ـ ومن مؤشرات صعود المقاومة دخول مقاومة غزة في أي جولة تصعيد قادمة ضد الاحتلال للأسباب سابقة الذكر و بقاء الحصار مطبق على قطاع غزة و الإمعان في معاناة سكانه، وتأخير عملية الإعمار.

خلاصة : سبق وأن استطاعت السلطة والاحتلال إضعاف المقاومة في الضفة،  غير أنهما هذه المرة تفقدان  قدرتهما  على السيطرة و سيفشلان في منع صعودها الأمر الذي يعني زوال الاحتلال و كل مرتبط به وكما قيل ” عبثا تحاول لا فناء لثائر “.

بتصرف من شهاب

مقالات ذات صلة