الحضارات البشرية الكبرى

د. محمد طاهر أنعم
قامت عبر التاريخ حضارات كبيرة أثرت على البشرية بشكل عام، سواء في المدنية أو الاختراعات أو الاكتشافات أو العلم أو غيره.
وهناك حضارات أخرى إقليمية وليست عالمية، أثرت على الإقليم وما حوله، ولم تمتد آثارها لكل البشرية، مثل حضارة سبأ في اليمن، وحضارة المايا في المكسيك، والحضارة السومرية في العراق (والتي هي أقدم حضارة في التاريخ معروفة ولها شواهد منحوتة)، وكذلك الحضارات الفارسية والهندية.
ويذكر دارسو علوم الحضارة أن سبع حضارات كبرى بارزة هي أكثر من أثر على البشرية، وقد حفظت قبة مكتبة الكونجرس أسماء تلك الحضارات في رسومات تؤكد خلودها وتأثيرها.
نتناول هنا تلك الحضارات باختصار:
١- أقدم حضارة عالمية كبرى أثرت على البشرية هي الحضارة المصرية والتي ترجع بدايتها للالف الثالث قبل الميلاد، وانهارت لفترة بعد مواجهة موسى مع الفرعون رمسيس الثاني في حدود ١٣٥٠ قبل الميلاد، ثم عادت للملمة شتاتها واستمرت في وضع اضعف حتى قضت عليها جيوش الحضارة الرومانية في القرن الأول قبل الميلاد، واستمروا يحتلون مصر ثمانية قرون حتى طردتهم جيوش الحضارة الإسلامية في الق،ن الميلادي السابع (الأول الهجري).
أفادت الحضارة المصرية البشرية باستخدام الورق للكتابة لأول مرة، وبالطب العشبي، والتحنيط، وتطوير العربات التي تجرها الحيوانات، وبالأبنية الضخمة الهائلة كالأهرامات، وبفن الرسم والنحت.
٢- وجاءت مترافقة مع آخر أيامها الحضارة الصينية، التي بدأت في الألف الأول قبل الميلاد، وأفادت البشرية بأشكال من الطب، وباختراعات السفن وعلوم الإبحار الأولية، وتنظيم التجارة وطرقها في تلك الأوقات القديمة.
ومن طرائف الصينيين أنهم كانوا يهتمون بالرسم جدا منذ فجر التاريخ، وكانوا يرسمون كل تاجر أجنبي يصل لموانئهم ويكتبون اسمه على ورقة تبقى في ميناء وصوله حتى مغادرته من أجل تحديد الرسوم والضرائب، وكانوا يرسمون الملوك والوفود أيضا، وهناك رواية أن وفدا صينيا زار المدينة بالهدايا أيام النبي محمد صلى الله عليه وسلم ومعهم رسامين، وقاموا برسمه وأخذ صورته للصين، وبقيت هناك فترة من الزمان في بلاط العائلة الامبراطورية الحاكمة حتى فقدت مع الحروب بين الأسر الصينية الملكية لاحقا.
٣- ومن الحضارات العالمية الكبرى: الحضارة الإغريقية اليونانية، التي أفادت البشرية في الفلسفة والمنطق، وبرز فيها أشهر فلاسفة التاريخ مثل أفلاطون وسقراط وأرسطو (وهذا الأخير يميل بعض الفلاسفة والمؤرخين لقول بأنه نبي موحد جاء برسالة ذلك الوقت).
٤- وتلت الحضارة اليونانية: الحضارة الرومانية، والتي كانت إحدى أكبر الحضارات في التاريخ، ورغم ان الدولة الرومانية بدأت في القرن السادس قبل الميلاد لكن نجمها لم يبزغ بشكل عالمي سوى من القرن الأول قبل الميلاد، وكانت وثنية ثم تنصرت في بداية القرن الرابع، وانقسمت لامبراطوريتين في نهايته، سقطت إحداهما سريعا على أيدي القبائل البربرية الأوروبية، وبقيت الأخرى متمثلة في الامبراطورية البيزنطية، التي دخلت في صراع مع الحضارة الإسلامية عند قيامها في القرن السابع، بدأت بتحرير الشام ومصر من الرومان،وحتى أسقطتها جيوش الحضارة الإسلامية بفتح القسطنطينية في القرن الخامس عشر.
اشتهرت الحضارة الرومانية بالتنظيم الإداري والبيروقراطي، ومظاهر المدنية الحديثة مثل تعبيد الطرق للعربات، وإنشاء أنظمة المجاري في المدن، واختراع الحمامات، وصك الذهب كعملة قانونية مراقبة.
٥- تلتها الحضارة الإسلامية التي نشأت مع بداية الإسلام في القرن السابع الميلادي، واستمرت كأهم حضارة في العالم حتى سقوط غرناطة في نهايات القرن الخامس عشر الميلادي، وتراجع دور المسلمين الحضاري.
ويعترف العالم للحضارة الإسلامية بالتفوق في العلوم التجريبية والتطبيقية، وخاصة الكيمياء والفيزياء والرياضيات، وقد وضعوا أسس العلم الحديث وقتها، وقدموا للبشرية كتبا ومعارف ودراسات وجامعات، لا يوجد مؤرخ غربي منصف اليوم إلا ويشهد بفضلهم وتأثيرهم في تلك المجالات.
وهناك مظهر آخر للحضارة الإسلامية وهو إعادة البشرية لعقيدة التوحيد التي كانت البشرية قد تركتها لصالح عبادة عيسى ابن الله كما يقول المسيحيون أو عبادة الأصنام والكواكب وغيرها من الأمور.
٦- وبعد أفول الحضارة الإسلامية جاءت الحضارة الأوروبية المتمثلة في حركة الكشوف الجغرافية، والتي بدأتها إسبانيا والبرتغال بعد الاستقلال عن الحضارة الاسلامية والاستفادة منها، وتلتها بريطانيا وفرنسا.
واكتشف الأوروبيون حينها القارتين الأميركيتين وقارة استراليا، واكتشفوا فيها الذهب بكميات كبيرة مما أغنى تلك الأمم، وبدأ عصر الاستعمار والبحث عن الثروات، ونشأت السفن العملاقة.
وفي عصر الحضارة الأوروبية بدأ اختراع الأسلحة الحديثة والبارود، والطباعة، والأنظمة السياسية والحدود، والمعاهدات الدولية.
٧- وبعدها جاءت الحضارة الغربية التي تشمل الولايات المتحدة مع اوروبا، وبدأت مع الثورة الفرنسية في القرن الثامن عشر، وهي الثورة الصناعية في أولها والتي اشتهرت بالمصانع الكبيرة لكل شيء، ثم الاقتصاد العالمي والشركات العابرة للقارات، ثم ثورة التكنولوجيا والنت والإعلام، والتي ما تزال الحضارة الغربية تهيمن عليها.
مقالات ذات صلة