فلسطين في الهدف… من هرمز إلى باب المندب فجنوب لبنان!

 

بعد ملحمة غزة، سيكون صاحب القول الأول والأخير في مجمل تطورات المنطقة والعالم، طالما أن منافذه البرية مع لبنان وسوريا واليمن وإيران وعبرها مع كل شعوب المنطقة ستبقى مفتوحة.

تحليل ـ حسني محلي

من دون العودة للتفاصيل التي يعرفها الجميع فقد تآمرت أنظمة الخليج ومعها مصر في عهد محمد مرسي، وتونس بحكم النهضة ضد سوريا فقط لأنها خندق الدفاع الأول عن فلسطين. ويكفي أن نتذكّر كيف أن معظم الرؤساء الأميركيين التقوا الرئيس الراحل حافظ الأسد وطلبوا منه الابتعاد عن حزب الله وإيران، والتخلي عن القضية الفلسطينية مقابل تلبية كل مطالبه إلا أنه رفض كل ذلك دائماً.

ولم تكتفِ الأنظمة العربية بتآمرها دائماً ضد سوريا فدخلت باعتراف حمد بن جاسم في سنوات “الربيع العربي”، في تحالفات خطيرة مع واشنطن وحليفاتها الغربية لتقوم بما قامت به عبر تركيا، التي ما زالت اللاعب الرئيسي في تطورات سوريا بكل معطياتها الداخلية والإقليمية والدولية.

فرفع الجميع شعارات طائفية أرادوا من خلالها ليس فقط تدمير سوريا بل معها إيران وحزب الله، بعد إقناع أو إجبار حماس على إغلاق مكاتبها ومخيّماتها فيها، حتى يتسنّى لهم جميعاً تصفية القضية الفلسطينية برمّتها.

وذلك بعد أن ضمنت الأنظمة العربية النهج الاستسلامي للسلطة الفلسطينية في إطار السيناريوهات المحتملة الخاصة بفلسطين والمنطقة، التي أراد البعض لها أن تكون تحت تصرّف الكيان الصهيوني في الاتفاقيات الإبراهيمية بصبغتها الصهيونية التوراتية.

ومن دون أن تهمل الأنظمة الخليجية قبل ذلك العنصر المهم في معادلات المنطقة، وخاصة بالنسبة للكيان المذكور ألا وهو اليمن، الذي أعلنت الأنظمة المذكورة الحرب عليه في آذار/مارس 2015، بعد نقل من تبقّى من اليهود هناك إلى “إسرائيل” بالتنسيق مع نظام الإمارات والسعودية، طرفَي الحرب على اليمن.

وكان هذا حالهما ومعهما قطر والبحرين والأردن ومصر والمغرب في الحرب على سوريا، والهدف الأساسي منه هو حزب الله. وكان هدفهم المشترك في حرب تموز/يوليو 2006 ومن بعده في كلّ الحروب التي شنّوها على غزة بحجة علاقة حماس والفصائل الفلسطينية الوطيدة آنذاك مع سوريا وإيران وحزب الله، وانضم إليهم الآن أنصار الله في اليمن.

فبعد ثلاثة أيام من قمة التواطؤ والتآمر العربي والإسلامي في الرياض، خرج قائد حركة أنصار الله السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي ليعلن عن موقف واضح وحازم وحاسم ضد الكيان الصهيوني وسفنه التي ستمرّ من باب المندب، وضد واشنطن التي تدعم هذا الكيان ودفعت ثمن ذلك بإسقاط طائراتها التجسسيّة في سماء البحر الأحمر.

وأما قوله “لو توفّر لشعبنا منفذ بري لفلسطين لتحرّك بمئات الآلاف لمساندة غزة”، فقد كان التشخيص الأهم للواقع العربي الذي يوضح أهداف ما يسمّى بـ “الربيع العربي” ألا وهو “إغلاق كلّ المنافذ إلى فلسطين”.

فبعد السيطرة على الحدود الأردنية والمصرية والسعودية مع فلسطين المحتلة، قامت الأنظمة العربية ومن معها بما يجب القيام به لإغلاق المنفذ السوري مع فلسطين، وذلك من خلال المجموعات الإرهابية المدعومة أردنياً وخليجياً في الجنوب السوري، وخاصة درعا والسويداء وحتى أرياف دمشق الجنوبية.

وجاءت “داعش” وأمثالها لتساعد الأنظمة المذكورة لإغلاق المنفذ العراقي إلى سوريا، ومنها إلى فلسطين. وهذا هو الحال بالنسبة للميلشيات الكردية التي دخلت في تحالفاتها المعروفة مع واشنطن والعواصم الغربية و”تل أبيب”، وللغرض نفسه، وهو ما لم يتحقّق لها جميعاً على الأقل حتى الآن، وعلى الرغم من اغتيال قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس والعشرات من قادة المقاومة السورية والإيرانية واللبنانية.

فمن أغلق النوافذ البرية بين كلّ من مصر والأردن والسعودية مع الكيان الصهيوني لا ولن يتسنّى له السيطرة على المنفذ البري بين لبنان وفلسطين المحتلة، وعلى الرغم من تواطؤ وتآمر الأنظمة المذكورة، واستنفار كل عملائها في لبنان والمنطقة عموماً، وهي الآن أكثر عواءً من أسيادها.

كما لا ولن يتسنّى لهذه الأنظمة إغلاق المنفذ الاستراتيجي بين سوريا وفلسطين المحتلة، طالما أن الأغلبية الساحقة من الشعب السوري كان وما زال وسيبقى في الخندق الأمامي المتقدّم للدفاع عن فلسطين ومهما كلّفه ذلك، كما هو الحال في “ربيع” العرب الدموي. ولم تنجُ منه ليبيا القذافي والتي كانت هي أيضاً في خندق الدفاع عن فلسطين وضد كل المتآمرين من الأنظمة العربية، وفي مقدّمتها الأردن بـ “أيلوله” الأسود عام 1970.

وألا ليس هناك أي تفسير منطقي لما عاشته وتعيشه ليبيا بعد إسقاط القذافي، حيث أن جميع الفصائل المتقاتلة هناك هي سنيّة، حالها حال تركيا وقطر التي تدعم البعض منها مقابل فصائل أخرى مدعومة من مصر والأردن والسعودية والبحرين والسودان، وهي جميعاً سنيّة، مع التذكير أنه لا يوجد في ليبيا أي شيعي أو علويّ أو كردي أو مسيحي وغيره.

مع التذكير أيضاً أن السعودية والإمارات ومصر كادت أن تشنّ الحرب على قطر في حزيران/يونيو2017، فاستنجدت بإردوغان الذي أرسل جيشه لحماية آل ثاني، وإلى أن تصالح الجميع بعد قمة العلا في كانون الثاني/يناير 2021. واكتملت المسرحية بمصالحة إردوغان بعد ذلك مع كل من هدّدهم وتوعّدهم في الإمارات والسعودية ومصر، وهي أطراف التآمر الأخطر على الشعب الفلسطيني.

وأثبتت ذلك للجميع في القمتين العربية والإسلامية الأخيرتين، كما هي أثبتت أن دورها الأهم في حماية الكيان الصهيوني هو إغلاق المنافذ البرية أمام زحف الجماهير العربية في الأردن (ومن خلفها العراق) ومصر، (ومن خلفها ليبيا وتونس والشمال الأفريقي عموماً) والسعودية، (ومن خلفها كل دول الخليج) وفيها جميعاً الملايين من الشرفاء المخلصين أبناء هذه الجغرافيا التي لا ولن تتقبّل ولو بعد مئات السنين الكيان الصهيوني، ومهما نجح في شراء الذمم من الحكّام وأبواقهم الوقحة، ومن سوء حظها أنها لم تصل إلى ضمير ووجدان الملايين من شرفاء العالم الذين وقفوا وما زالوا إلى جانب الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، والفضل في ذلك للمقاومة التي أثبتت أنها ما زالت تملك زمام الأمور والمبادرة، كما هو الحال في اليمن الصامد منذ ثماني سنوات ضد العدوان الخليجي.

فبإغلاق باب المندب والسيطرة عليه مباشرة أو بشكل غير مباشر سيجد الكيان الصهيوني نفسه في وضع صعب وخطير، في الوقت الذي سيجد فيه الغرب الإمبريالي نفسه في وضع أصعب، ليس فقط بإغلاق باب المندب بانعكاسات ذلك على قناة السويس، بل أيضاً بإغلاق إيران لمضيق هرمز، أو عرقله الملاحة النفطية والغازية فيه ولو لفترة قصيرة تكون كافية لتعويض الشعب الفلسطيني خسارته بإغلاق المنافذ البرية مع مصر والأردن والسعودية.

وربما لهذا السبب أرادت واشنطن للاتفاقيات الإبراهيمية أن تساعدها على نقل غاز دول الخليج ونفطها براً عبر الأنابيب إلى ميناء حيفا، ومنها إلى أوروبا التي تخطّط لتصدير منتجاتها إلى دول المنطقة بواسطة خطوط برية وحديدية من حيفا إلى دول الخليج من دون المرور بمضيق هرمز أو باب المندب بل وحتى قناة السويس.

وربما لهذا السبب أرسلت واشنطن وحليفاتها خلال السنوات القليلة الماضية والآن بشكلٍ أكبر عشرات السفن الحربية إلى المنطقة، كما أنها استنفرت كل قواعدها في تركيا والدول الغربية وقبرص لأنها تعرف جيداً أن القواعد الروسية البحرية منها والجوية القريبة من حيفا لا ولن تقف موقف المتفرّج حيال مختلف السيناريوهات.

ويعرف الجميع أن هدفها الأهم بالنسبة للغرب الإمبريالي هو الغاز والبترول الموجود في المنطقة، ومن دونه لا ولن يحالف الحظ هذا الغرب بتحقيق أي فوز على روسيا في أوكرانيا، أو القضاء على الشعب الفلسطيني الذي أثبت للجميع أنه كان دائماً، والآن بعد ملحمة غزة، سيكون صاحب القول الأول والأخير في مجمل تطورات المنطقة والعالم، طالما أن منافذه البرية مع لبنان وسوريا واليمن وإيران وعبرها مع كل شعوب المنطقة ستبقى مفتوحة، بعد أن دفع أطفال ونساء وشباب فلسطين ثمنه غالياً وسلفاً، كما فعل ذلك من قبلهم الشعب السوري وكلّ من وقف إلى جانبه في سنوات زمهرير الخيانة والعمالة والعبودية عربياً وإسلامياً.

الآراء الوردة في هذا التحليل لا تعبّر بالضرورة عن رأي الموقع وإنما تعبّر عن رأي كاتبها.

نقلاً عن الميادين

مقالات ذات صلة