“أورينت أكس أكس”: المرافقة الإعلامية للإبادة الجماعية في غزة

تقرير يتناول حرب الإبادة الجماعية والتطهير العرقي الذي تمارسه قوات الاحتلال الإسرائيلي ضد الفلسطينيين في قطاع غزة، ورغم ذلك بات الإعلام شريكاً في التغطية على هذه الجرائم، وباتت بعض المصطلحات ممنوعة في تحرير الأخبار.

في تحقيق بموقع “أورينت أكس أكس” تناولا الكاتبان آلان غريش، وسارة غريرا،  الإبادة الجماعية، والتطهير العرقي، ومذابح قوات الاحتلال” الإسرائيلي” الوحشية بحق الفلسطينيين في قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر 2023، إضافة إلى الحديث عن تهجير الفلسطينيين إلى خارج قطاع غزة.

كما تحدث التقرير عن المصطلحات التي أصبحت من المحرمات في بعض الإعلام مثل  كلمات “جريمة حرب” و”إبادة جماعية” لمنع وصول حقائق هذه الجرائم الفظيعة إلى الجمهور الواسع في العالم أو إدانتها، وللتغطية عليها، وفي المقابل، استمرار وصف حماس بأنها منظمة “إرهابية” وأنّ ما قامت به (عملية طوفان الأقصى) بقي متداولاً على أنه “إرهاب”!..

وفي ما يلي النص منقولاً إلى العربية:

لمدة 90 يوماً، الآلاف من الناس يموتون ويشوّهون، ويغمرهم طوفان من العنف. في خطاب استقالته بعد 12 عاماً من الخدمة الجيدة والمخلصة، يعتزم الصحافي، رافائيل أورياني، من الملحق الأسبوعي لصحيفة “لا ريبوبليكا” الإيطالية اليومية الاحتجاج على الطريقة التي تغطي بها صحيفته الوضع في غزة.  وهو يدين “الحذر المذهل الذي يمارسه جزء كبير من الصحافة الأوروبية، بما في ذلك صحيفة “لا ريبوبليكا” – فاليوم تظهر عائلتان مذبوحتان فقط في السطر الأخير من الصفحة 15″، ويستحضر “المرافقة الإعلامية” التي تجعل وقوع هذه المذابح ممكناً.

لقد مرّ وقت لم يكن فيه الإعلام الغربي يتمتع بهذا النوع من التواضع.  ولم يكن أحد يتردد في إدانة الغزو الروسي، ولم يكن يخطر على بال أحد أن يذكر “العملية الروسية الخاصة”، إلا على سبيل السخرية.  اليوم ترسّخ التعبير الإسرائيلي “الحرب بين إسرائيل وحماس”، وكأن طرفين متساويين يواجهان بعضهما البعض، أو أنّ الضحايا معظمهم من جنود كتائب القسام.

وتختلف الصيغ في الصحف، ولكن حماس توصف في أغلب الأحيان بأنها “منظمة إرهابية” ـ تذكروا أنّ الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة فقط يعدانها كذلك وهو ما يبرئ “إسرائيل” مقدماً من جرائمها  كافة.  في مواجهة الشر المطلق، أليس كل شيء مسموحاً به؟

صحافي في شبكة CNN: تعليمات للتحرير والمصطلحات

تعدّ كلمات “جريمة حرب” و”إبادة جماعية” من المحرمات.  سيتم الإبلاغ عن القصف الإسرائيلي في غزة على أنه “انفجارات” لا أحد مسؤول عنها، إلى أن يعلن “الجيش” الإسرائيلي مسؤوليته أو ينفيها. تميل الاقتباسات والمعلومات المقدمة من المسؤولين العسكريين والحكوميين الإسرائيليين إلى الموافقة بسرعة، في حين أنّ تلك الواردة من الفلسطينيين تستدعي التدقيق فيها بعناية والتعامل معها بحذر.

..بحسب “حماس”:

ونعلم الشكوك التي رافقت أرقام الوفيات التي أعلنتها وزارة الصحة في غزة، حتى اليوم مصحوبة بعبارة “بحسب حماس”، في حين أنها تبدو أقل من الواقع.  إنّ المعاملة المخصصة للرهائن الفلسطينيين، حيث يتم تجريدهم من ملابسهم وإهانتهم وتعذيبهم، يتم وضعها في الاعتبار، إذ إنّ الشك في الانتماء إلى حماس يبرر حالة الاستثناء.  ومن ناحية أخرى، انتشرت الأخبار الكاذبة بعد 7 أكتوبر حول بتر أحشاء النساء وقطع رؤوس الأطفال أو حرقهم في الأفران، وذلك لأنّ المسؤولين الإسرائيليين أقروها.  وبمجرد كشف هذا الخداع، لم ير أي فريق تحرير أنه من الضروري ارتكاب خطأ للمساعدة في الترويج للدعاية الإسرائيلية.  في فرنسا، المتحدث باسم “الجيش” الإسرائيلي لديه ميكروفون مفتوح في القنوات الإخبارية، وعندما يقرر الصحافي القيام بعمله واستجوابه حقاً، يتم استدعاؤه من قبل إدارته.  في هذه الأثناء، بالكاد يتم التنويه إلى التصريحات العنصرية الصارخة، التي تصل إلى حد التحريض على الكراهية أو العنف ضد منتقدي “الجيش” الإسرائيلي.  ناهيك بالشبهة التي تقع على الصحافيين العنصريين المذنبين بـ “الطائفية” عندما يقدمون رؤية أخرى.

وبينما ترفض “إسرائيل” دخول الصحافيين الأجانب إلى غزة – باستثناء أولئك الذين يختارون “الشروع” في جولة بصحبة مرشدين، والتي يقبلها العديد من المراسلين من دون أدنى مراجعة نقدية لم يتم رفع سوى القليل من الاحتجاجات ضد هذا الحظر.  بالكاد تحركت المهنة ضد اغتيال 109 صحافيين فلسطينيين، وهو رقم لم يتم الوصول إليه في أي صراع حديث آخر.  لو كان هؤلاء المراسلون أوروبيين، ما الذي لم نكن لنسمعه؟  والأسوأ من ذلك، أنّ منظمة “مراسلون بلا حدود”، تحدثت في تقريرها السنوي الصادر في 15 كانون الأول/ديسمبر 2023، عن مقتل “17 صحافياً فلسطينياً أثناء ممارسة واجبهم”، وهي معلومات تناولها العديد من وسائل الإعلام الوطنية.  والصياغة صادمة في بذاءتها، خاصة عندما نعلم أنّ استهداف الصحفيين عمداً هو ممارسة شائعة لدى “الجيش” الإسرائيلي، في غزة والضفة الغربية، كما يذكرنا اغتيال الصحافية شيرين أبو عاقلة.  وفي يوم الأحد 7 كانون الثاني/يناير، استشهد زميلان فلسطينيان مرة أخرى بعد أن استهدف صاروخ إسرائيلي سيارتهما غرب خان يونس.  وأحدهما ليس سوى نجل وائل دحدوح، رئيس مكتب الجزيرة في غزة.  لقد تمّ القضاء على نصف عائلته على يد “الجيش” الإسرائيلي، وقُتل مصوره.

ومع ذلك، فإننا ندين في معظم الصور التي تصل إلينا لهؤلاء الصحافيين الفلسطينيين.  وعلى الرغم من أنّ بعضهم عمل بالفعل كـ “منسق” لصحافيين فرنسيين، إلا أنه يظل مشتبهاً به بشكل مسبق لأنه فلسطيني.  وفي الوقت نفسه، فإنّ زملاءهم الإسرائيليين الذين، مع بعض الاستثناءات (+972، بعض صحفيي هآرتس) الذين يتناولون عناصر لغة “الجيش”، يتم الترحيب بهم باحترام.

 التطهير العرقي خيار مثل أي خيار آخر

شهدنا في الأيام الأخيرة مناقشات سريالية.  هل يمكننا حقاً أن نناقش بهدوء وهدوء “طبيعي” على شاشات الإذاعة والتلفزيون مقترحات نقل السكان الفلسطينيين إلى الكونغو أو رواندا أو أوروبا، من دون الإصرار على أنّ هذه جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية؟ من دون أن نقول إنّ من يتلفظ بها، هنا أو هناك، يجب أن يُتهم بالدعوة إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية؟

ووفقاً للأمم المتحدة، أصبح قطاع غزة “مكاناً للموت وغير صالح للسكن”.  في كل يوم، تتراكم المعلومات عن القتلى (أكثر من 23000)، والجرحى (أكثر من 58000)، وقصف الهياكل الطبية، والإعدامات بإجراءات موجزة، والتعذيب على نطاق واسع، وتدمير المدارس والجامعات، وتدمير المنازل، لدرجة أنه تمّ إنشاء مصطلح جديد، “قتل المنازل” للإشارة إلى هذا التدمير المنهجي للمنازل.  ونادراً ما تكون هذه الجرائم موضوع تحقيقات صحافية.  لكنّ المذكرة التي قدمتها جنوب أفريقيا في 29 ديسمبر/كانون الأول 2023 إلى محكمة العدل الدولية في لاهاي4 ستكون كافية لوسائل الإعلام لإنتاج عشرات السبق الصحافي.  سيساعدون في إعطاء الضحايا (وليس فقط ضحايا 7 أكتوبر) وجهاً واسماً وهوية.  لإجبار “إسرائيل” والولايات المتحدة، اللتين تسلحانهما من دون ضجة، على مواجهة الدول الغربية الأخرى، وخصوصاً فرنسا، بمسؤولياتهما، ولهذا لا يكفي إنزال بعض الإمدادات بالمظلات على السكان المحتضرين، أو التعبير عن “القلق” من خلال بيان صحافي.

لأول مرة، تحدث إبادة جماعية على الهواء مباشرةً، حرفياً في بث مباشر على بعض القنوات الإخبارية العربية أو على شبكات التواصل الاجتماعي، وهو ما لم يحدث في رواندا ولا في سريبرينيتشا.  وفي مواجهة هذا، فإنّ السهولة التي تغادر بها هذه المذبحة تدريجياً الصفحات الأولى من الصحف والأخبار التلفزيونية في بلداننا لتتحول إلى مجرد معلومات ثانوية أمر مثير للقلق.  ومع ذلك، بقدر الدول الموقعة على اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، يتحمل الصحافيون مسؤولية أخلاقية للتعبئة لوقف هذه الجريمة المستمرة.

ولتجنب التواطؤ في الإبادة الجماعية، يمكن لفرنسا أن تساعد في وقفها: تعليق التعاون العسكري مع “إسرائيل”، وفرض عقوبات ضد الفرنسيين الذين يشاركون في الجرائم في غزة، وتعليق حق المستوطنين في دخول بلدنا، أو حتى تعليق استيراد البضائع الإسرائيلية. وبعضها يأتي من المستعمرات وبالتالي يتم تسويقه بما يخالف القرارات الأوروبية.

وفي نهاية كانون الأول/ديسمبر 2023، وفي أعقاب هجوم روسي على بلدات أوكرانية خلف نحو ثلاثين قتيلاً، دانت الحكومة الأميركية “هذه التفجيرات الرهيبة”، في حين دانت حكومة باريس “استراتيجية الإرهاب الروسية”.  ونشرت صحيفة “لوموند” الفرنسية اليومية عنواناً رئيسياً بعنوان “حملة الإرهاب الروسية”..  كم من الوقت سيستغرق تصنيف حرب “إسرائيل” على غزة كإرهاب؟

مقالات ذات صلة