تقرير | أبعاد التصعيد الصهيوني في رفح وتداعياته.

 

يواصل الكيان الغاصب إستكمال عدوانه على قطاع غزة، على مرأى ومسمع من العالم، وضارباً بكل القوانين والقرارات الدولية الإنسانية المنادية بحق الانسان أن يعيش في سلاماً عرض الحائط، وفي طليعتها المجرمة  لإرتكاب جرائم الحرب والإبادة الجماعية بحقّ الآمنين.

وعلى الرغم من كل التصعيد للإحتلال و جرائمه في قطاع غزة، من إبادة وتجويع وتشريد وتدمير، لم يكتفي بل زاد هياجاً حتى على المناطق التي تذرّع بأنها ـ”مناطق آمنة في الجنوب”، بدأ رحلة إرهابه في رفح التي لم تسلم سابقاً من عدوانه خلال الحرب، ولكن المختلف هذه المرة تسيع مسرح العمليات فيها بحسب تصريحات إعلام العدو.

رفح، المكتظة بالسكان، يهدّد الاحتلال الغاصب بشنّ عملية عسكرية عليها. بضوء أخضر أمريكي حتى لو أظهرت التصريحات الأميركية العلنية عدم موافقتها. فالعدوان الصهيوني منذ الـسابع من اكتوبر الماضي، مدعوماً من واشنطن ولندن، بما قدم له من الدعم العسكري بالأسلحة والغطاء السياسي في مجلس الأمن.

بدأ التصعيد الاحتلال الإسرائيلي في محافظة رفح جنوبي قطاع غزة منذ يومين حيث قام بشنّ سلسلة غارات عنيفة على الآمنين في قطاع غزة، ولكنه لم يبدأ بعد في العملية العسكرية التي تحدّث عنها.  كثيرة هي الذرائع التي يختلقها العدو من أجل ارتكاب المجازر، وفي مقدمتها “قادة المقاومة الفلسطينية موجودون في رفح”.

ورغم أن العالم كله يعلم بأنها ليست إلّا مجرد تخمينات وذرائع وحجج وافتراضات للتغطية على مجازره، ففي خان يونس كان الاحتلال قد توقّع، سابقاً، أن قادة الصف الأول للمقاومة مثل يحيى السنوار وغيره موجودون هناك، وسرعان ما ثبت العكس.

مالذي تمثلهُ رفح

 

ما يجري وما يحصل في رفح معقّداً وشائك وما يعد له خطيراً جداً، خصوصاً  الحديث إن ما يجري عن أقصى جنوب قطاع غزة، أي نحو 67 كلم، هذا ما قاله الكاتب في الشأن السياسي والعسكري. وأضاف أنّ أصغر مدن القطاع كان يسكنها قبل الحرب ما بين 260 ألفاً و 270 ألف نسمة بحسب ما ذكره أحمد عبد الرحمن للميادين نت.

 وأهمية هذه المنطقة الجغرافية، الاتصال المباشر مع الحدود المصرية كما انها في الواجهة، و المتنفّس الوحيد لقطاع غزة في ظل المعابر الأخرى والتي تتبع للاحتلال الإسرائيلي.

الجدير ذكره أنه قبل الحرب كانت رفح مهمة جداً للقطاع ولا سيما على مستوى المعبر بالدرجة الأولى، بحسب عبد الرحمن، ولكن أيضاً بعد الحرب زادت أهميتها وذلك لأن المدينة تضم الآن بعد عمليات التهجير الواسعة تحت القصف والقتل والنزوح القصري، نحو مليون ونصف مليون نسمة.

وتعليقاً على هذه النقطة، علّق أيضاً الهامي المليجي، الكاتب والمحلل السياسي المصري للميادين نت، قائلاً إنّ رفح تمثّل الملاذ الأخير للناس في قطاع غزة بعدما دفعت آلة الحرب الهمجية الإسرائيلية مئات الآلاف من سكان قطاع غزة بشماله ووسطه ومن خان يونس للجوء إليها باعتبارها “المنطقة الآمنة”، فأصبحت المدينة التي لا تتعدى مساحتها 36 كيلومتراً مربّعاً، يعيش على أرضها ما يقرب من 1.5 مليون نسمة.

 

فأضحت بذلك المدينة الأكثر اكتظاظاً في العالم، ما يعني أن عملية عسكرية في رفح حتى لو كانت استهدافاً جوياً، ستؤدي إلى سقوط عدد ضخم من الضحايا، وهذا ما دفع الأمم المتحدة للتحذير من تداعيات أي عدوان على رفح واعتبرت أنّ ذلك يعد كابوساً إنسانياً، وفقاً للمليجي.

كذلك فإن محافظة رفح تضم معبر رفح الحدودي مع مصر والذي يعد شريان الحياة بالنسبة إلى سكان القطاع في الوقت الراهن، إذ من خلاله تتدفّق المساعدات الإنسانية وتغادر الحالات الصعبة من المرضى والسكان، كما يقع فيها معبر كرم أبو سالم التجاري الذي بات يسهم في تسهيل تدفّق المساعدات الإنسانية وينفذ منه بعض من المساعدات .

وفي سياق ما ورد، ما يعني أن الاجتياح البري لرفح في حال حدوثه سيفاقم من الأزمة الإنسانية التي يعيشها أهالي قطاع غزة.

هدف الإحتلال من دخول رفح

 

وهناك حديث عن عملية عسكرية إسرائيلية وخطط عملاتية للهجوم البري على هذه المدينة وهذه كارثة إنسانية بالدرجة الأولى قبل أي شيء آخر نظراً لكثرة السكان من ناحية، ولأنّها يمكن أن تقطع شريان الوصل الوحيد بين قطاع غزة والخارج مع مصر.

وفي قراءة للأهداف الإسرائيلية، يقول عبد الرحمن، إنّ رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو يحاول عبر العملية في رفح تحقيق نصر وهمي، والقول إنّه تمكّن من دخول كل مدن القطاع، خاصة أنّه مأزوم ومطارد في قضايا فساد كثيرة.

ومن وجهة النظر الأخرى ربما هي أداة تفاوضية، يريد نتنياهو عبرها الضغط على المقاومة في إطار صفقة الأسرى، كما هو حال القصف المستمر على قطاع غزة، بحسب عبد الرحمن.

إذاً في المجمل اتخذ الاحتلال قراراً بتنفيذ عملية عسكرية، للاستخدام السياسي والضغط على المقاومة وأيضاً لمحاولة تحقيق الإنجاز الوهمي لدى المجتمع الإسرائيلي الذي ينظر إلى العملية بدرجة أو بأخرى في قطاع غزة بأنها فاشلة، يؤكد عبد الرحمن.

 

ووفقاً لما ذكرته التقارير، فإن نتنياهو في مأزق من جرّاء الهزيمة النكراء التي منيت بها قوات الاحتلال في غزة، وهذا ما يدفعه للهروب إلى الأمام عبر اللجوء لمغامرة اجتياح مدينة رفح، متجاهلاً كل الأصوات المحلية والدولية والإقليمية التي تحذره من تلك المغامرة “الهوجاء”. كذلك في تجاهل فجّ لقرار محكمة العدل الدولية والذي طالب “إسرائيل” باتخاذ “الإجراءات التي تمنع الإبادة الجماعية”، وذلك ضمن حكمها الابتدائي بشأن الدعوى القضائية التي رفعتها جنوب أفريقيا.

 وتعليقاً على مخالفة القرار الإسرائيلي باجتياح رفح لقرار محكمة العدل، قال عبد الرحمن إن هذه المحاكم ومعها المؤسسات الدولية لم تقدّم شيئاً، وحتى بعد قرار مجلس الأمن الداعي إلى تسهيل دخول المساعدات فإنها شحيحة جداً، مضيفاً أنّ الموضوع بحاجة إلى حراك أوسع ولا سيما على صعيد الدول العربية الإسلامية. أي بحاجة إلى اتخاذ قرار جريء لفتح معبر رفح على مصراعيه وفرض هذا الأمر بالقوة على الاحتلال، وهذا الأمر مستبعد طبعاً، وفقاً لعبد الرحمن. 

الموقف المصري

وللقرار الإسرائيلي باجتياح رفح تداعيات وردود فعل مصرية رافضة لهذا القرار، حيث أعربت وزارة الخارجية المصرية عن رفضها الدعاوى الإسرائيلية لتنفيذ عملية عسكرية في مدينة رفح. خصوصاً أن هذه العملية تشكّل تهديداً للأمن القومي المصري.

وبحسب المليجي، فإنه يشكّل “خرقاً فاضحاً” لاتفاقية “كامب ديفيد” الموقّعة بين مصر والاحتلال الإسرائيلي، وتمثّل “تحدياً فجّاً للموقف المصري الرافض بشدة للخطوة الخرقاء والمحذر من خطورتها وعواقبها الوخيمة”.

وأضاف أن التهديدات المصرية ستؤخذ على محمل الجد، حيث هناك الكثير من الساسة الإسرائيليين يدعون نتنياهو للتفكير جيداً قبل البدء بهذه العملية العسكرية بسبب تهديدات مصر وتلويحها بتعليق اتفاقية “كامب ديفيد”.

من المعلوم، بحسب المليجي، أن اتفاقية التطبيع مع مصر مهمة بالنسبة للكيان حتى في ظل حالة البرود التي يتسم بها منذ توقيع الاتفاقية في العام 1979. وهذا ما يدفع البعض إلى التكهّن بأن التهديدات المصرية يمكن أن تسهم في لجم نتنياهو عن الإقدام على مغامرة اجتياح رفح، وفقاً له. 

وقال إن “حماقة نتنياهو تجعلنا لا نتوقّع منه تصرّفات دبلوماسية تحافظ على مصالح الكيان، بل هو يقدّم مصلحته الشخصية على أي اعتبار، ما يتطلّب موقفاً أكثر حسماً تجاه هذا العدوان”، معرباً عن أمله في تصعيد مصر لضغوطها على الاحتلال، كونها الدولة العربية التي تمتلك الكثير من أوراق الضغط ذات التأثير، وهي أوراق سياسية وعسكرية فاعلة ومخيفة للكيان.

 

إن غزة تحتل موقعاً متقدّماً في الأمن القومي المصري،بحسب المليجي، بأبعاده الأمنية والسياسية خاصة أن العلاقات المصرية – الإسرائيلية لم تصل أبداً موقع الثقة المتبادلة، في ظل محاولات الكيان العبث بالأمن القومي المصري على جبهات عديدة ليست آخرها إثيوبيا وسد النهضة.

المخطط الإسرائيلي بتهجير أهالي قطاع غزة إلى سيناء لم يبارح العقل الاستيطاني التوسّعي الإسرائيلي منذ احتلال فلسطين باعتبارهم العائق الديمغرافي أمام ضم القطاع للكيان في إطار حلم “إسرائيل الكبرى”، بحسب المليجي. وأضاف أنه جرت عدة محاولات في هذا الإطار، لكن بقي الموقف المصري رافضاً بصلابة لهذه المحاولات، وأصبح رفض التوطين في سيناء جزءاً راسخاً من العقيدة الأمنية والسياسية للدولة المصرية، وهذا يفسّر ردّ الفعل المصري الفوري والحاسم تجاه تصريحات بعض قادة الكيان في هذا الشأن.

وختم المليجي قوله قائلاً إن “رفح خيمة الفلسطينيين الأخيرة، لكنها أيضاً ستكون الصخرة التي سيتحطّم عليها المشروع الصهيوني بفضل شجاعة المقاومة وصمود شعبنا الفلسطيني ودعم شرفاء الأمة ومحور المقاومة”.

وبالحديث عن محور المقاومة، فإنّ جبهات الإسناد في لبنان واليمن والعراق، تجدّد تأكيدها في كل مرة عدم وقف عملياتها ضد الاحتلال إلا حين وقف العدوان على غزة، وهذا ما يعني أن أي تصعيد إسرائيلي في رفح سيقابل بالمثل، وهذا ما أعلنه اليمن قبل يومين حين قال: “في حال نفّذ الاحتلال تهديداته ودخل إلى رفح ستزداد وتيرة العمليات العسكرية في البحر الأحمر وفي عمق الاحتلال”، وهو ما ينذر بمزيد من توسّع المعركة القائمة.

مقالات ذات صلة