صحافة دولية .. مقاومة غزة تكشف محدودية القوة الأميركية وتراجع هيمنتها

وكالات ـ نشر موقع “Workers World News” مقالاً بعنوان: “مقاومة غزة تكشف حدود القوة الأميركية” للكاتبة سارة فلوندرز .. يوضح حجم ومحدودية القوة الأمريكية وتراجع هيمنتها تراجع الهيمنة الأمريكية كنتيجة لانتفاضة الشعب الفلسطيني الثائر على ظلم الاحتلال “الإسرائيلي”.

الترجمة للعربية: حسين قطايا

فيما يلي نص المقال بالعربية.

قبضة الولايات المتحدة الخانقة على عنق العالم تنزلق، وهيمنتها العالميَّة كصانعة قرار لوحدها تُواجه تحدّياً من قبل شعب فلسطين الثَّائر على ظلم الاحتلال الإسرائيلي المديد. وبقدر ما كانت عمليَّة المقاومة الفلسطينيَّة الجريئة في 7 تشرين الأول/ أكتوبر، صادمة للآلة العسكرية الصهيونية وشبكتها الاستخبارية المتبجحّة، أرسلت موجات صادمة عبر كلّ مؤسسات السُّلطة في الإمبراطورية الأميركية.

يعتمد حكام “تل أبيب” وواشنطن في “هجومهما” الآن على غزة على القوة الغاشمة. لكن القوة الغاشمة لا يُمكنها عكس الضربة العسكرية والسياسية التي سددتها لهما المقاومة الفلسطينية.

وإنّ المزيد من أسلحة الدمار الشامل الأميركية لـ”إسرائيل”، من شأنها أن تزيد من كراهية عشرات ملايين الأشخاص في الجنوب العالمي، وتزيد من التعاطف مع الشعب الفلسطيني والمقاومة الفلسطينية، التي باتت تشكّل تهديداً عميقاً للاحتلال الإسرائيلي وداعمها الرئيسي.

يتفق العديد من المعلّقين على أن أسطورة “إسرائيل” “لا تقهر” لن تتعافى أبداً من الضربة الفلسطينية. ولقد شاهد العالم بأسره، مراراً، مقاطع الفيديو الخاصة بعملية “طوفان الأقصى”، والمقاومون الجريئون يحلقون فوق طبقات من الأسوار المكهربة والأسلاك الشَّائكة وكاميرات المراقبة بواسطة طائرات شراعيَّة صغيرة مزودة بمحرّكات، تليها طائرات “درون” خفيفة، حطمت معاً الحماية التي توفرها القبة الحديدية الإسرائيلية بوابل من الصَّواريخ التي أصابت مراكز القيادة الإسرائيليَّة في أماكن بعيدة مثل “تل أبيب”.

في حين أن الهجوم كان مفاجأة، إلا أنه بالتأكيد لم يكن غير مبرَّر. لقد كان عملاً من قبل سكان معسكر اعتقال منذ 16 عاماً وهم تحت الحصار التَّام، و 75 عاماً من النُّزوح من كلّ فلسطين جرّاء الاحتلال الإسرائيلي، الذي ينتهز اليوم عملية “طوفان الأقصى” كذريعة للمضيّ بخطط “التَّطهير العرقي” لمدينة غزّة، بالتوازي مع ما يفعله في الضفة الغربية عبر توسيع مستمر للمستوطنات الصهيونية.

كانت خطط “إسرائيل” للتهجير النهائي للفلسطينيّين من قطاع غزة قديمة على لائحة الخطط السرية الصهيونية، لكن الآن يتمّ طرحها علانية وبغطرسة كبيرة وثقة متضخمة بالنَّفس.

وما القصف الوحشي الإسرائيلي المستمر لغزة إلا علامة على اليأس الذي ينتقم لا أكثر، وليس لديه أي خطَّة، وها هي ما يسمى بقوات الدفاع الإسرائيلية تتعثَّر في غزوها البرّي، وكما لم تتمكن في الماضي من تحمل تنفيذ غزوات مماثلة لغزة في عام 2009 ،وفي لبنان في عامي 2000 و 2006.

إنَّ تعبئة الملايين من الناس في جميع أنحاء العالم تحت شعار فلسطين حرّة، تُشكّل تهديداً لنظام الهيمنة السياسيَّة الذي يحتكر السرديات حول الأحداث.

مع ذلك، خرجت المظاهرات الضخمة في مئات المدن والنواحي، مصحوبةً بنشاطات احتجاجية مختلفة من الإضرابات في المدارس والمصانع والاعتصامات، وإغلاق الطرق السريعة والموانئ التي يتم شحن الأسلحة منها.

وعلى الرغم من سيطرة مراكز القوى الصهيونية والإمبريالية على وسائل الاعلام، تجدد الوعي العالميّ المتضامن مع القضية الفلسطينية، وفقدت “إسرائيل” الكثير من الدعم المعنوي بين الشعوب وبينهم الشعب الأميركي وخاصة جيل الشباب.

أزمة وجودية
يصف العديد من الإسرائيليّين الوضع بأنّه “أزمة وجوديّة”. فإنّ استمرار وجود هذه البؤرة الصهيونية الاستعماريَّة موضوع على المحكّ. و رحلة الرئيس جو بايدن المحمومة الفوريةَّ إلى إسرائيل، واحتضانه البائس لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، والوعود بالمزيد من الأسلحة، وإيفاد مجموعات قتاليَّة بحرية تكشف على نطاق عالمي أنّ المقاومة الفلسطينيّة المحاصرة، سددت ضربة ضارية للهيمنة الأميركية.

في السَّنوات الماضية، تمَّ رفع مستوى “إسرائيل” إلى موقع “شريك استراتيجيّ” في الأمن الإقليمي للولايات المتَّحدة، على الرًّغم من تفكُّك الاحتلال الأمريكيّ للعراق وفشل خطط الإطاحة بالحكومة السورية أيضاً.

وقبل شهرٍ واحد فقط، اعتقد حكَّام الولايات المتحدة أنهم دفعوا المملكة العربية السعودية والطبقات الحاكمة في العديد من الدول العربية إلى الاعتراف بـ”إسرائيل”. ولكن الآن، من خلال إثارة كراهية جماهير المنطقة، تم إبعاد تلك الصفقة البائسة في المدى المنظور.

جميع الخطط الأميركية التي وضعت منذ إدارة باراك أوباما، للابتعاد عن الحروب الفاشلة في الشرق الأوسط للتفرغ من أجل تطويق الصّين وتهديدها، هي الآن في حالة من الفوضى التامَّة.

يتعرَّض التحالف العسكري للولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي للضرب ونقص في الأسلحة والتمويل في أوكرانيا، التي فشلت قواتها الفاسدة تماماً في استعادة أيّ أرض في “هجوم الربيع” الذي استمر 5 أشهر.

كان بايدن قد وعد منذ أكثر من 20 شهراً، بأنّ الحرب الأوكرانية ستنتهي في غضون أسابيع، مع تحوّل الرّوبل إلى أنقاض وتغيير النّظام في موسكو. والآن، تغرق آلة الحرب الأميركية على جبهتين، وتكافح من أجل جمع الذخائر والتمويل لكل من “إسرائيل” وأوكرانيا.

تعتبر “إسرائيل” منذ 75 عاماً حاملة طائرات للإمبريالية الأميركية غير قابلة للغرق، كونها تعتمد كلياً على الولايات المتحدة التي تشكل أصولها الوحيدة الآمنة. فقد كانت “إسرائيل” باستمرار أكبر متلق للمساعدات العسكرية الأميركية، حيث تجاوزت 13 مليون دولار يوميّاً، و لمدّة 75 عاماً.

القصف الإسرائيلي على قطاع غزة، جريمة حرب موصُوفة ومتطرّفة لدرجة أنَّ المدينة تحولت إلى “كرة من النَّار”، لكن “إسرائيل” مطمئنة إلى تدفُّق لا نهاية له من الأسلحة الأميركية، وحمايتها من العقاب واستخدام حق النَّقض في مجلس الأمن الدولي في سبيل ذلك.

حرب التحرير الشعبية
فلسطين اليوم منخرطة في حرب تحرير شعبية. مع ذلك تدأب وسائل الإعلام الأميركية والغربية على وصف حركة حماس، والحكومة المنتخبة في غزة، بأنها فصيل “إرهابي” صغير.

مع ذلك، تتشارك كلَّ فصائل المقاومة في الدّفاع عن غزّة من وحدات وكتائب مقاتلة تابعة للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، والجبهة الدّيمقراطية، والجهاد الإسلامي، ولجان المقاومة الشعبية، وكتائب شهداء الأقصى، وقوات تابعة لحركة فتح إلى جانب كتائب القسَّام التابعة لحركة حماس. هناك أيضاً وحدة في العمل الفلسطيني ضد العصابات المسلحة من بلطجية المستوطنين في الضفة الغربية.

في حين أنّ كلا من الولايات المتحدة و”إسرائيل” لديهما أسلحة مروعة، فشلت الإمبريالية الأميركية في هزيمة الحروب الشعبية السابقة في أفغانستان والعراق وكوريا وسوريا وفيتنام وسواها.

وجميع البلدان في الجنوب العالمي التي مسها الاستعمار الغربي في السابق، والتي كانت لفترة طويلة تحت تهديد العقوبات الأميركية والغزوات وعمليات تغيير النّظام، حسمت موقفها منذ وقت طويل إلى جانب النّضال الفلسطيني من أجل الحرية. وينعكس هذا في الأصوات الساحقة التي تحوزها فلسطين، في الجمعية العامة للأمم المتحدة وفي جميع التجمعات الدولية.

وكانت الجمعية العامة للأمم المتحدة قد أصدرت حوالي 77 قراراً يدين الاحتلال ونظام الفصل العنصري وسياسات الإبادة الجماعية الإسرائيلية. بالطَّبع، لم تصوّت الولايات المتحدة أبداً لصالح أي من هذه القرارات، ومنعت محاسبة “إسرائيل” بالكامل، مُتجاهلة الأصوات الأممية والإدانات الإقليمية.

تهديدات الحرب الإقليمية
الأمر الأكثر شؤماً بالنّسبة للموقف الاستراتيجيّ للولايات المتَّحدة في المنطقة بأسرها هو الضَّربات الصاروخية العراقية المتصاعدة على القواعد الأميركية المتبقّية في العراق.

وسوريا، التي نجت من الجهود الأميركية لأكثر من عقد من الزمن لإسقاط الحكومة والدَّولة برمَّتها، هي الآن تستعيد الأرض التي فقدتها في سنوات الحرب عليها.

كذلك، أطلقت قوات “أنصار الله” في اليمن، التي لا تزال محاطة بحصار بحري أمريكي، صواريخ باليستية على مواقع عسكرية إسرائيليَّة في مدينة إيلات الساحليَّة على البحر الأحمر.

لكن، يبقى أكبر مصدر قلق لكلّ من “إسرائيل” والولايات المتحدة هو جبهة جديدة في لبنان في هذه الحرب المدمّرة. وقد ضرب حزب الله العديد من الأهداف في “إسرائيل” خلال الشهر الماضي. و تمَّ إخلاء جميع البؤر الاستيطانية الصَّهيونية بالقرب من الحدود اللبنانية، إلى جانب جميع المستوطنات المحيطة بغزة.

يلقى باللّوم باستمرار على إيران لدعمها قُوى المقاومة في فلسطين ولبنان. وعلى الرَّغم من تهديداته الكبيرة، يعرف البنتاغون أنَّه لا يملك الأسلحة أو الأفراد العسكريين أو الدَّعم المحلّي لخوض حرب إقليميَّة. وتأمين الأسلحة إلى “إسرائيل” مسألة مختلفة عن انخراط الجيش الأميركيّ في حرب مباشرة ضدَّ محور المقاومة، لأنَّ الأمر يتطلب مستوى عالياً من التَّصميم والانضباط والتَّضحية بالنفس على نطاق واسع، وهو غير متوفر في وقت تستفيد فيه الشُّعوب من دروس حرب العصابات التي تخوضها المقاومة الفلسطينية في غزة.

التقسيم والغزو
في وقتٍ سابق، كان الصهاينة يأملون في أن يؤدّي استهداف الحركة الفلسطينيَّة العلمانية إلى جعل القوى الدّينيَّة أكثر امتثالاً. فهم يخطّطون باستمرار لسياسات تموضع كلّ مجموعة ضدَّ أخرى.

وطوَّر الصَّهاينة أنواعاً مختلفة من التَّكتيكات القمعيَّة في الضفة الغربية مقارنة بغزة. كما استخدمت تكتيكات أخرى ضد الفلسطينيين الذين يعيشون داخل حدود عام 1948.

في الانتخابات الفلسطينيَّة في عام 2007، حصلت حركة حماس على فوز ساحق، مما أغضب “تل أبيب” وواشنطن، وفرض حصار صارم على غزة، لدرجة أنه حتى الأموال المخصَّصة لدعم دور الأيتام والمستشفيات تمَّ حجبها عن الفلسطينيين بتهمة تمويل الإرهاب.

كانت العقوبات الأميركية الإسرائيليَّة، التي فرضت منذ عام 2007، عقاباً جماعياً على جميع السكَّان. والآن، أصبح الإغلاق الكامل للمياه والغذاء والدَّواء والكهرباء خلال الشهر الماضي خطوة أخرى في العقاب الجماعي وانتهاكاً صريحاً للقانون الدولي.

كلُّ خطوة زادت من جرأة القوى الأكثر عنصرية ويمينيَّة. وقاموا بتصعيد الهجمات على المسجد الأقصى. والآن هناك هجمات يومية على المستوطنات الفلسطينيَّة في الضفة الغربية، بما في ذلك اختطاف مئات الرَّهائن الفلسطينيّين ليلاً من قبل “الجيش” الإسرائيلي، الذي يعمل علناً مع عصابات المستوطنين الصهيونية.

لقد بذلت القوى الصهيونية كل جهد ممكن، مستخدمة أكثر التَّكتيكات تطوُّراً، لتقسيم الحركة الفلسطينية، في محاولة لتسليط الضوء على الخلافات السياسية بين الفلسطينيين. لكن عقود القمع الإسرائيلي الشنيع دفع بالمقاومين على أن يكونوا أكثر اتّحاداً.

الصهيونية تتفكك
الحركة الصَّهيونيَّة الآن منقسمة أكثر من أي وقت مضى، بين اليمين المتطرّف والتَّجمُّعات الأكثر ليبراليَّة، بين التَّجمُّعات الدّينيَّة والعلمانيَّة، وبين الوافدين اليهود الجدد وأولئك الذين جاءوا في موجات سابقة. وجميع التيّارات في الحركة الصهيونية تشجب باستمرار عدد الإسرائيليين الذين يحملون جنسيَّة مزدوجة من بلدان أخرى، (وأحيانا دول عدَّة).

“إسرائيل” دولة مصطنعة. وملايين من الإسرائيليّين يعيدون النَّظر في خياراتهم إذا لم تستطع الحكومة ضمان سلامتهم. وأيَّام الاحتلال معدودة. وهذا سيعطي ثقة جديدة للشعب الفلسطيني.

الصّهاينة هم بالفعل أقلية من مجموع السكان في فلسطين، وهذه حقيقة لا يمكن إخفاؤها.

 

مقالات ذات صلة