“فايننشال تايمز”: انتقاد بايدن لنتنياهو يعكس القلق المتزايد بشأن الحرب على غزة

صحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية تكتب عن الخلافات الأميركية الإسرائيلية، وتقول إن الرئيس الأميركي جو بايدن ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أجريا عدداً من المناقشات الحادة خلف الكواليس.

 

قالت صحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية، أن انتقاد الرئيس الأميركي جو بايدن لـ”إسرائيل” يوضح مدى القلق المتزايد بشأن العدوان الإسرائيلي على قطاع غزّة.

فيما يلي نص المقال منقولاً إلى العربية:

منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة قبل شهرين، أجرى الرئيس الأميركي جو بايدن ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عدداً من المناقشات الحادة خلف الكواليس.

إلّا أنّ يوم الثلاثاء الفائت، كشف بايدن عن خيبة أمله برئيس الوزراء الإسرائيلي، مع اعتراضه على “القصف العشوائي” الإسرائيلي الذي يطال قطاع غزة وموقف حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة العدائي من حل الدولتين في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني الدائر.

وفي كلمة له خلال حفل لجمع التبرعات، صرّح بايدن بالقول: “أعتقد أنّ عليه أن يتغير، و… إنّ الحكومة في إسرائيل تُصعّب عليه التقدّم”.

وتعدّ هذه التصريحات الحادة وغير المألوفة التي أدلى بها الرئيس الأميركي أقوى مؤشر حتى الآن على تزايد قلق الولايات المتحدة بشأن المجهود العسكري الذي تبذله “إسرائيل”.

وجاءت هذه الخطوة في الوقت الذي سلّط فيه تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة على القرار الذي يدعو إلى وقف إطلاق نار إنساني في غزة الضوء على العزلة الدبلوماسية المتزايدة لـ”إسرائيل”، حيث انضمت 8 دول فقط إلى “إسرائيل” والولايات المتحدة في معارضة هذا الاقتراح، في حين صوتت 153 دولة لصالحه.

لقد شهدت هذه الحرب نشوب خلافات بين بايدن ونتنياهو. ووفقاً لمسؤولين أميركيين، ارتأى بايدن إبقاء هذه الخلافات بين 4 جدران، اعتقاداً منه بأنّها أفضل طريقة للتأثير على رئيس الوزراء الإسرائيلي. فقد دعم بايدن علناً وبقوة الجهود العسكرية لـ”إسرائيل”، ولو على حساب علاقته بالحلفاء.

وقد أفاد بعض المسؤولين الأميركيين بأنّ تصريحات بايدن تشير إلى حدود ما يسمى باستراتيجية “عناق الدب”، وأشاروا إلى أنه سيكون من الصعب عليه في نهاية المطاف أن يتغاضى عن هواجسه.

وفي هذا السياق، قال آرون ديفيد ميلر، محلل شؤون الشرق الأوسط وكبير الباحثين في مؤسسة “كارنيغي” للسلام الدولي: “إنّها إشارة تحذيرية من الرئيس بشأن الفجوات المتزايدة بين الولايات المتحدة وإسرائيل في ما يتعلّق بحرب غزة وتداعياتها”.

ولعلّ التكلفة الإنسانية الباهظة التي دفع ثمنها سكّان القطاع نتيجة الغزو الإسرائيلي، الذي أودى بحياة ما يزيد عن 18 ألف شخص وفقاً لمسؤولين فلسطينيين وهجّر الغالبية العظمى من سكان القطاع البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة وجعل معظم الأراضي غير صالحة للسكن، أحد أهم أسباب الخلافات بين الطرفين.

وقد مارست الولايات المتحدة ضغوطاً على “إسرائيل” للحدّ من الخسائر في صفوف المدنيين، خاصة مع قيامها بتوسيع هجومها البريّ إلى جنوب غزة، حيث فر معظم السكان. إلّا أنّ عدد الضحايا استمر في الارتفاع منذ استئناف القتال هذا الشهر بعد وقف قصير لإطلاق النار.

وفي هذا الإطار، صرّح أحد المسؤولين الغربيين قائلاً: “من الواضح جداً أن “إسرائيل” تريد مواصلة العملية العسكرية في الجنوب وتحرير الرهائن وتدمير البنية التحتية لحركة حماس وقتل أو أسر قادتها. وستواصل تنفيذ خطتها حتى تحقيق هذه الأهداف الثلاثة”.

وكان بايدن ومسؤولون أميركيون آخرون قد أعربوا عن قلقلهم بشأن شخصيات “متطرفة” في حكومة نتانياهو، أمثال الوزيرين القوميين المتطرفين إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، والعنف الذي يمارسه المستوطنون اليهود ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة، حتى قبل اندلاع الحرب. ووفقاً لتقارير الأمم المتحدة، فقد تزايدت وتيرة هذا العنف منذ اندلاع الحرب، حيث نفذ مستوطنون يهود 336 هجوماً ضد الفلسطينيين.

علاوة على ذلك،  اختلف الجانبان الأميركي والإسرائيلي حول مستقبل غزة. وقال مسؤولون أميركيون بشكل صريح بأنه يتوجب على السلطة الفلسطينية، التي تدير أجزاءً من الضفة الغربية، أن تمسك زمام الحكم في القطاع بعد انتهاء الحرب. كما أصر الرئيس بايدن على أنه لا ينبغي لـ”إسرائيل” أن تعيد احتلال غزة أو تقليص عدد أراضيها.

إلّا أنّ نتنياهو عارض هذه الفكرة، وردد مراراً وتكراراً أنّه لن يقبل بعودة السلطة الفلسطينية إلى قطاع غزة. وقد شعر المسؤولون الأميركيون بالإحباط بسبب عدم رغبة حكومته في مناقشة السيناريوهات الواقعية للمرحلة المقبلة، وعدائها لحل الدولتين على المدى الطويل.

ووفقاً لمسؤول مطلع على المداولات الأميركية الإسرائيلية، فإنّ “المنطقة تنتظر من الولايات المتحدة حمل إسرائيل على اتخاذ موقف إيجابيّ. إلا أنّ واشنطن لم تفلح في إحراز أيّ تقدّم ملحوظ”.

وبحسب محلّلين إسرائيليين، فإنّ موقف نتنياهو كان مدفوعاً بشكل جزئيّ بحسابات سياسية داخلية، مع تزايد التوقعات بإجراء انتخابات العام المقبل.

وكتب أنشيل فيفر، الصحافي وكاتب سيرة نتنياهو، في صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية: “يدرك [نتنياهو] أنّه بمجرّد تقليص إسرائيل هجومها البري في غزة، لن يتمكن من كبح الطوفان السياسي. ففي المستقبل غير البعيد، سيفقد ائتلافه الحاكم أغلبيته البرلمانية”.

“سيحاول تأخير تلك اللحظة، لكن حدسه السياسي يخبره أنه سيتعين عليه خوض انتخابات قريباً، وترجح استطلاعات الرأي أنّه سيخسر بفارق كبير. لذا فهو يحاول تسطير إنجازات في المعركة لصالح حملته الانتخابية”.

“إسرائيل” ليست الوحيدة التي تعتبر الحرب قضية سياسية داخلية. فتصريحات بايدن الأخيرة جاءت في الوقت الذي بدأ يتحتم عليه دفع ثمن سياسي داخل الولايات المتحدة نتيجة دعمه القوي لـ”إسرائيل”.

وقد أظهر أحدث استطلاع للرأي أجرته صحيفة “فايننشال تايمز” بالتعاون مع “ميشيغان روس”، والذي نُشر هذا الأسبوع، أن 40% من الناخبين الأميركيين يعتقدون أنّ الولايات المتحدة تقدم مساعدات مالية وعسكرية “أكثر من اللازم” لـ”إسرائيل” في حربها ضد حماس.

ووفقاً لمعدل استطلاعات الرأي على موقع 538.com، فقد انخفضت معدلات تأييد بايدن بشكل أكبر منذ اندلاع الحرب، وأظهرت استطلاعات الرأي الأخيرة أنه يتخلف عن دونالد ترامب، قبل عام من الانتخابات الرئاسية المقبلة.

لطالما شعر بايدن بوجود روابط شخصية عميقة ووثيقة مع “إسرائيل”، الأمر الذي ساعد في تحديد نهجه؛ إلاّ أنّ هناك مسؤولين آخرين واصلوا معارضتهم لهذا النهج المتبع. وحذر وزير الدفاع لويد أوستن هذا الشهر من أنّ “إسرائيل” تخاطر بـ”هزيمة استراتيجية” ما لم تفعل المزيد لحماية المدنيين في غزة.

ويخشى بعض المراقبين في “إسرائيل” أن يكون الخلاف الأميركي بمثابة إنذار لحدوث شرخ أكبر في العلاقات بين الجانبين. وصرّح عامي أيالون، الرئيس السابق لجهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي، الذي قارن هذا الوضع بضغط هنري كيسنجر من أجل “إعادة تقييم” العلاقات الأميركية الإسرائيلية في السبعينيات والتي أثارت أزمة في العلاقات، “بأنّ لحظة الحقيقة قد اقتربت”.

وأضاف أيالون: “يمكن لبايدن أن يفعل شيئاً مماثلاً ويقول: “يتوجب عليّ أن أفكر”، وسيدرك الجميع ما يعنيه ذلك: نهاية محتملة للمساعدات العسكرية وعدم استخدام حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة”.

ويقول آخرون إنه في الوقت الذي باتت فيه انتقادات بايدن لنتنياهو أكثر وضوحاً، لا تزال إدارته بعيدة كل البعد عن التخلي عن “إسرائيل” في حربها.

وعلى الرغم من رغبة المسؤولين الأميركيين العلنية والسرية في إنهاء الحرب سريعاً، إلّا أنّهم يتفقون مع هدف “إسرائيل” المتمثل في تفكيك حماس. ويقولون بأنهم لا يستطيعون إملاء أوامرهم على “إسرائيل” بشأن كيفية إدارتها لحملتها العسكرية.

وبينما ينتقد “إسرائيل”، قال بايدن يوم الثلاثاء إنّ الولايات المتحدة “لن تقوم سوى بحماية إسرائيل خلال هذه الأزمة. أما بالنسبة لحركة حماس، فقال: “إنّهم شعب وحشي وقبيح وغير إنساني ويجب القضاء عليهم”.

ووصف ميلر موقف بايدن بأنه جزء من “الإحباط المتزايد” تجاه حليف الولايات المتحدة. “لكنني لن أفسر ذلك على أننا نسارع باتجاه لحظة الحقيقة. وأنّ الرئيس على وشك أن يقول لنتنياهو “كفى”.

 

ترجم للعربية

مقالات ذات صلة