“إسرائيل” في قفص الاتهام.. والحكّام العرب يتمنّون براءتها

لولا خروجهم الملايين في عدد كبير من الدول إلى الشوارع للتضامن مع الشعب الفلسطيني الذي أثبت عظمته، لما كان الكيان المحتل الآن في قفص الاتهام.

قبل يوم من محاكمة الكيان الصهيوني في محكمة العدل الدولية في لاهاي انتقمت “تل أبيب” ومعها اللوبيات اليهودية وواشنطن وعملاؤها التقليديون من جنوب أفريقيا التي لاحقت “إسرائيل” في المحكمة الدولية بتهمة الإبادة الجماعية والتطهير العرقي للشعب الفلسطيني.

 فبعد منافسة حادة في أروقة الأمم المتحدة في جنيف فاز ممثّل المغرب، المتواطؤ تاريخياً واستراتيجياً مع الكيان الصهيوني، برئاسة مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بعد أن حصل على 30 صوتاً مقابل 17 صوتاً لمندوب جنوب أفريقيا التي وضعت الكيان الصهيوني لأول مرة منذ قيامه في قفص الاتهام. 

وجاءت هذه النتيجة في إطار التحرّكات الإسرائيلية رداً على موقف جنوب أفريقيا التي لم تحظَ حتى بدعم فعّال وعملي من الدول العربية والإسلامية، باستثناء بيان الجامعة العربية الخجول والتصريحات “النارية” لبعض الزعماء المعروفين.

ويفسّر ذلك استمرار تواطؤ وتآمر هؤلاء الزعماء العرب والمسلمين على الشعب الفلسطيني، ولولا صموده وصمود المقاومة الإسلامية في لبنان والشعب اليمني في باب المندب لركعوا جميعاً أمام واشنطن ومن معها. 

ويعرف الجميع أن هذه العواصم هي التي أوصلت هؤلاء الزعماء إلى السلطة، وما زالت تحميهم لضمان تآمرهم على شعوبهم وشعوب العالمين العربي والإسلامي.

ويفسّر ذلك العدوان الإمبريالي على اليمن المدعوم علناً من البحرين، في الوقت الذي يعرف فيه الجميع أن واشنطن استفادت من جميع قواعدها العسكرية في دول الخليج، وأهمها قطر حيث مقرّ القيادة المركزية الأميركية ومنها تمّت إدارة الاحتلال الأميركية لأفغانستان والعراق. 

مع استمرار استسلام الأنظمة العميلة التي تتسابق فيما بينها لإثبات ولائها لواشنطن وعدم إزعاج الكيان الصهيوني في أيّ مجال كان، بما في ذلك محكمة العدل الدولية.

وتصدّى لها الكيان العبري باستخدام العميل التقليدي المغرب كورقة ضغط ضد جنوب أفريقيا التي غدرت بها العديد من الأنظمة العربية والإسلامية لأنها أحرجت “تل أبيب”، وهو ما لم يجرؤ عليه هؤلاء الحكّام أبداً. ويعرف الجميع أنه لا مكان لهؤلاء في الإعراب في سيناريوهات الغرب الإمبريالي، بما في ذلك ما كشفت عنه أسرار قضية الأميركي اليهودي جيفري إبشتاين ذي العلاقة مع الموساد. 

وقد يفسّر ذلك تكليف أحد المتورّطين في الفضيحة الجنسية في هذه القضية، وهو اليهودي الأميركي آلان ديرشوفيتز بالدفاع عن “إسرائيل” في محكمة العدل الدولية التي يراهن البعض على قضاتها وهم من 15 دولة، واستنفرت “تل أبيب” وواشنطن وحليفاتها كلّ إمكانياتها لمنع إصدار أي قرار ضد الكيان الصهيوني، الذي لا يخفي هزيمته أمام صمود الشعب الفلسطيني على الرغم من خيانات الأنظمة العربية والإسلامية. 

وجاء قرار مجلس الأمن الدولي الذي طالب أول أمس اليمن “بوقف عملياتها العدوانية ضد حرية الملاحة الدولية في باب المندب” كمحاولة أخرى لرفع معنويات “تل أبيب”، على الرغم من اعتراض الصين وروسيا (لم تستخدما حقّ الفيتو) والجزائر وموزمبيق على القرار، ولكنها لم تستطع منع العدوان الإمبريالي على اليمن. 

وجاء قرار الرئيس ماكرون بتعيين غابرييل آتال رئيساً للحكومة الفرنسية الجديدة، ليدعم هو أيضاً التحرّكات الصهيو/أميركية لما لباريس من موقف موالٍ للكيان الصهيوني، حالها حال لندن وبرلين مع تبادل للأدوار الإمبريالية. 

ومعروف عن آتال أنه يهوديّ من أصل تونسي وله علاقات واسعة مع اللوبيات اليهودية في باريس، حاله حال ماكرون الذي انتخب رئيساً لفرنسا قبل سبع سنوات بدعم من هذه اللوبيات، والبعض منها من أثرياء اليهود في تونس والمغرب، ومنهم أندريه آوزالاي مستشار الملك المغربي محمد السادس ووالده الحسن الثاني.

وقد منحه الرئيس الإسرائيلي هرتسوغ آوزالاي في أيار/مايو الماضي أعلى وسام صهيوني “لمساهماته الفريدة للشعب اليهودي”، ومن دون أن يحدّد مجالات هذه المساهمات، وأهمها العمالة والتواطؤ والتآمر على الشعب الفلسطيني، مع التذكير بوجود ما لا يقلّ عن 750 ألف يهوديّ من أصول مغربية في “إسرائيل”. 

في الوقت الذي لم تبالِ فيه الأنظمة العربية والإسلامية بتحرّكات “تل أبيب” وواشنطن هذه، لأنها لا تفكّر بالقيام بأي عمل مشترك أو انفرادي لمساعدة الشعب الفلسطيني الذي صدمها وصدم الجميع بصموده الأسطوري.

في الوقت الذي كانت فيه هذه الأنظمة المطبّعة، أي المتواطئة، تتمنّى لهذا الشعب أن يهزم ويستسلم (كما تمنّت هزيمة حزب الله في حرب تموز 2006)، ليساعدها ذلك على المزيد من الخنوع والركوع لأعداء العالمين العربي والإسلامي بل الإنسانية جمعاء. 

وهو ما كشفت عنه أسرار الفضيحة الجنسية لإبشتاين التي تورّط فيها عدد كبير من الشخصيات المهمة أميركياً وأوروبياً وإسرائيلياً وربما عربياً وإسلامياً، ليكون الجميع في خدمة الصهيونية العالمية بكلّ أجهزتها وعلاقاتها المتشابكة السرية منها والعلنية. وإلّا ليس هناك أيّ تفسير منطقي ومقبول لتهرّب الحكّام العرب والمسلمين (العرب والإسلام بريء منهم) من أي مواجهة مباشرة أو غير مباشرة مع الكيان العبري الذي لم تتصدَّ له أي دولة سوى جمهورية الزعيم الأسطوري مانديلا، لأنها تعي جيداً معنى النضال ضد الاستعمار والعنصرية والعبودية ومن أجل الاستقلال والسيادة والحرية. 

وهو ما يفعله الشعب الفلسطيني في غزة والضفة الغربية، فحقّق المعجزات في الصمود ليس فقط ضد العدوان الهمجي الصهيوني والإمبريالي، بل أيضاً ضد أعوان وعملاء هذا العدوان من العرب والمسلمين، الذين كانوا على وشك الاستسلام والركوع والانبطاح في ما يسمّى بالاتفاقيات الإبراهيمية، لولا بطولات الشعب الفلسطيني ومن ساعده على هذا الصمود في جنوب لبنان واليمن والعراق ومن معهم جميعاً في سوريا وإيران وكلّ الشرفاء من العرب والمسلمين، والأهم من كلّ ذلك أصحاب الضمير والوجدان في جميع أنحاء العالم. 

ولولا خروجهم بالملايين في عدد كبير من الدول إلى الشوارع للتضامن مع الشعب الفلسطيني الذي أثبت عظمته، لما كان الكيان المحتل الآن في قفص الاتهام، ويرى العالم برمّته حقيقة الكيان الصهيوني ليس فقط سياسياً وعسكرياً بل عقائدياً وتاريخياً واجتماعياً وأخلاقياً ودينياً. وهذا ما تكشف عنه محكمة لاهاي مهما سعى المتواطئون والعملاء من الحكّام العرب والمسلمين لإنقاذ هذا الكيان الوقح والقبيح شكلاً ومضموناً من نهايته المحتومة وباتت قريبة جداً.

 

الآراء الواردة في التحليل المقالي لا تعبّر بالضرورة عن سياسة الموقع  وإنما تعبّر عن رأي كاتبها

مقالات ذات صلة