صحف أمريكية : ماذا تعني القضية أمام محكمة العدل الدولية ضد “إسرائيل” بالنسبة للعالم؟

حتى قبل أن يُصدر قضاة محكمة العدل الدولية قرارهم، فإنّ حقيقة اتهام “ديمقراطية” مدعومة من الغرب (إسرائيل) في المحكمة بارتكاب أفظع جريمة دولية، قد أحدثت ضجة في جميع أنحاء العالم.

 

  كتب الكاتب الأمريكي جيمس شوتر في صحيفة “فايننشال تايمز مقالاً بعنوان “: ماذا تعني القضية أمام محكمة العدل الدولية ضد “إسرائيل” بالنسبة للعالم؟” تناول فيه النتائج المحتملة لقرارات المحكمة الأولية والتي ربما إذا أتت لصالح غزة، يمكن أن تؤثر على كيفية تعامل الدول الأخرى مع “إسرائيل”؛ من خلال جعل هذه الدول، على سبيل المثال، أقل استعداداً لبيعها الأسلحة أو أكثر استعداداً لفرض العقوبات عليها.

 المقال بالعربية – زينب منعم.

تُعدّ الدعوى التي رفعتها دولة جنوب أفريقيا بمثابة اختبار للعدالة للدولية.. لعقود من الزمن، نالت محكمة العدل الدولية حصتها من القضايا الكبرى، إلّا أنّ القليل منها حظي بهذا القدر من الاهتمام أو رافقه مثل هذا الوضع السياسي المتفجّر. هو اليوم حال الدعوى التي رفعتها دولة جنوب أفريقيا والتي تتهم فيها “إسرائيل” بارتكاب جرائم إبادة جماعية ضد الفلسطينيين في حربها على قطاع غزة. 

ومن المرجح أن يستغرق صدور حكم نهائي بشأن مزاعم جنوب أفريقيا، التي نفتها “إسرائيل” بشدة ووصفتها بأنها “مضلِلة للغاية”، سنوات. إلّا أنّه يُتوقع في الأيام المقبلة، أن يتخذ قضاة المحكمة السبعة عشر قرارهم الأول بخصوص هذه القضية: ما إذا كانوا سيوافقون على طلب جنوب أفريقيا باتخاذ مجموعة من التدابير الطارئة التي تهدف إلى كبح جماح الهجوم الإسرائيلي على غزة.

ولكن حتى قبل أن يُصدر القضاة قرارهم، فإنّ حقيقة اتهام “ديمقراطية” مدعومة من الغرب في المحكمة بارتكاب أفظع جريمة دولية، قد أحدثت ضجة في جميع أنحاء العالم. وبالنسبة لـ “إسرائيل” وحلفائها، فإن هذه القضية “عارية من الصحة” وتُعدّ إهانة لها. أمّا بالنسبة للفلسطينيين وداعمي قضيتهم، ولا سيّما “نصف الكرة الجنوبي”، فإن هذه القضية تمثل اختباراً لمصداقية النظام الدولي الذي طالما اعتبروه معبّأً ضدهم. 

وفي معرض تعليقها على هذه القضية، قالت داليا شيندلين، وهي خبيرة استطلاعات الرأي ومحلّلة سياسية مقيمة في “تل أبيب”: “قليلة هي الصراعات في العالم التي ترددت أصداؤها عالمياً كما حصل بشأن هذا الصراع… فالناس في جميع أنحاء العالم عبّروا عن موقفهم في ما يخص هذه القضية. لذلك بإمكاني أن أتصور أنّ أي قرار ستتخذه المحكمة سيؤدي إلى تأجيج الوضع بين الجانبين بطريقة أو بأخرى”. 

وفي “إسرائيل”، التي لا تزال تعاني من تبعات هجوم السابع من تشرين الأول/أكتوبر الذي شنته حركة حماس وأسفر عن مقتل 1,200 إسرائيلي، قوبلت القضية التي رفعتها دولة جنوب أفريقيا بسوء الفهم والغضب، خاصة وأنّ اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها لعام 1948 التي تم رفع القضية بموجبها قد وُضعت رداً على المحرقة التي قتل خلالها النازيون والمتعاونون معهم 6 ملايين يهودي.

ورداً على الدعوى التي قدّمتها جنوب أفريقيا، صرّح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، قائلاً: “منظمة إرهابية ارتكبت أسوأ جريمة ضد الشعب اليهودي منذ المحرقة، والآن يأتي من يدافع عنها باسم المحرقة؟ يا لها من وقاحة! إنّ نفاق جنوب أفريقيا لا حدود له”. 

أمّا بالنسبة للشعب الفلسطيني، فإنّ هذه القضية تقدم شيئاً مختلفاً تماماً، وهو الأمل في زيادة الضغوط الدولية على “إسرائيل” لحملها على إنهاء هجومها المدمر على غزة، الذي أدى حتى الآن إلى مقتل ما يزيد عن 25,200 شخص وتشريد 1.9 مليون من سكان القطاع البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة. كما أنّهم يرونها فرصة مناسبة لمحاسبة “إسرائيل” على قمعها لهم على مدى ثلاثة أرباع القرن الماضي.

وفي هذا الإطار، قال حسام زلمط، سفير فلسطين لدى المملكة المتحدة: “تُعدّ [هذه الخطوة] أول جهد دولي جدي لإنهاء هذا الوضع المروّع الذي يعيشه الشعب الفلسطيني والمطالبة بمحاسبة إسرائيل بعد 75 عاماً من الحرمان من حقوقنا الأساسية، أسوة بجميع الشعوب الأخرى”.

وأردف قائلاً: “إنّها لحظة تاريخية حاسمة؛ ففي حال التزمت محكمة العدل الدولية بتفويضها القانوني ونجحت في حكمها، فإنها بذلك [ستحقق] النجاح لموقعها وللنظام الدولي المبني على القوانين. أمّا في حال فشلت، فأعتقد بأنها ستفشل هي وتفويضها، بل والنظام العالمي برمته”.

إلى ذلك، سيتوجّب على المحكمة عند اتخاذ قرار بشأن تطبيق تدابير طارئة، أن تحدد ما إذا كانت أفعال “إسرائيل” قابلة للتغطية بموجب اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، وما إذا كانت هناك حاجة إلى اتخاذ تدابير طارئة لحماية حقوق الفلسطينيين في غزة، وهو مستوى أقل بكثير من ذاك المطلوب لدعم قضية جنوب أفريقيا بصفة عامة. 

وإذا قررت المحكمة أن تنحو هذا النحو، فبوسعها أن تفرض بعض أو كل التدابير التي طلبتها دولة جنوب أفريقيا، والتي تتراوح بين التعليق الفوري للعمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة إلى وقف التحريض على ارتكاب جرائم إبادة جماعية، أو غيرها من التدابير التي تختارها.

وفي هذا السياق، أشارت شيمين كيتنر، أستاذة القانون الدولي في كلية ديفيس للحقوق بجامعة كاليفورنيا إلى أنه “أيّاً كان الجانب الذي ستتحقق مطالبه في هذه المرحلة الأولية، سيستشعر صوابية مطالبه من الناحية القانونية. لكن هذه مجرد خطوة أولى في عملية أكثر دقة وتستغرق وقتاً أطول”.

إن التأثير الأكثر مباشرة لأي تدابير طارئة، في حال وافقت “إسرائيل” على الالتزام بها، سيترتب على الحرب في غزة. ويشك المحللون القانونيون في أن تأمر المحكمة “إسرائيل” بوقف عملياتها، لأسباب ليس أقلها أنها لا تستطيع أن تأمر حماس التي ليست طرفاً في الدعوى بوقف عملياتها أيضاً.

ووفق محللين، فإنّه حتى لو اختارت “إسرائيل” تجاهل أي أوامر صادرة عن المحكمة، فإنّ مجرد صدورها يمكن أن يؤثر على كيفية تعامل الدول الأخرى معها؛ من خلال جعل هذه الدول، على سبيل المثال، أقل استعداداً لبيع الأسلحة لـ”إسرائيل”، أو أكثر استعداداً لفرض عقوبات. ويعتقد بعض المحللين أن الحكم النهائي ضد “إسرائيل” يمكن أن يؤثر على الإجراءات في محاكم أخرى، مثل المحكمة الجنائية الدولية، التي تتعامل مع الدعاوى الفردية أكثر من تعاملها مع دعاوى تستهدف دولة بعينها. 

وفي هذا الإطار، قالت شيلا بايلان، وهي خبيرة في القانون الدولي وحقوق الإنسان: “تُعدّ اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها الاتفاقية الأسمى، فهي تجسيد لأعظم جريمة حدثت في التاريخ. لذا، فإنّ لهذه الدعوى تداعيات خطيرة”.

بالنسبة للمحكمة، هناك الكثير من الأمور على المحك. فالدعوى بين جنوب أفريقيا و”إسرائيل”، وفق كيتنر، تعدّ الأحدث في سلسلة من القضايا التي تشير إلى أنّ الدول مستعدة بشكل متزايد للجوء إلى هيئات دولية أخرى، مثل محكمة العدل الدولية، لإصدار أحكام بشأن القضايا الإنسانية العاجلة، نظراً للشلل الطويل الأمد الذي يعاني منه مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.

وقالت إن هذا الاتجاه يشكل فرصاً ومخاطر لمحكمة العدل الدولية على حدّ سواء: فمن ناحية، يمكن له أن يعزز نفوذ المحكمة في نهاية المطاف؛ ومن ناحية أخرى، يمكن أن يشكل خطر انجرار المحكمة بشكل متزايد إلى قضايا من شأنها أن تتركها عرضة لاتهامات بالتسييس.

وتابعت كيتنر حديثها بالقول: “يمكن أن يكون لهذا الاتجاه وجهان. فقد يساعد محكمة العدل الدولية في أن تصبح هيئة أكثر نشاطاً واستجابة في النظام القانوني الدولي، خاصة في ضوء الشلل الذي يعاني منه مجلس الأمن. لكنّ الخطر يكمن في أن محكمة العدل الدولية قد [تواجه] شكاوى سواء في كل كارثة إنسانية تقع أو في كوارث إنسانية انتقائية. وأعتقد بأن هذا من شأنه أن يغير بشكل جذري الدور الذي اضطلعت به حتى يومنا هذا”. 

 

 

مقالات ذات صلة