صُحف أجنبية “إسرائيل” و”داعش” تُفّاحٌ فاسد من معينٍ واحد

نقله إلى العربية: حسين قطايا

 

 

ما كان ممكنا بالأمس لم يعد كذلك في عالم اليوم. لكن، من يقنع حكومة “تل أبيب” بالتوقّف عن الكذب على العالم حول جرائمها في فلسطين المحتلة. وما تشبيه حركة “حماس” بجماعة “داعش” إلا مثالٌ فج على عدم قدرة الصهاينة عن التوقف عن الخداع والنفاق.

ومنذ عملية “طوفان الأقصى” الجريئة، شبّه رئيس وزراء الاحتلال المتطرف، بنيامين نتنياهو عدوانه على غزّة بالحرب التي خيضت ضد الجماعات الإرهابية في العراق وسوريا، “كما اتّحدت قوى الحضارة لهزيمة “داعش”، يجب على قوى الحضارة دعم “إسرائيل” كي تهزم حماس”. لكن نتنياهو لم يوضح في تصريحاته الغبية والحمقاء أيّ نوعٍ من الحضارات يتقبل قتل أكثر من 15000 طفل وامرأة في غزّة بشكلٍ مُتعمّد؟

بدا خطاب نتنياهو الصاخب “ترامبي” للغاية، معتقداً أنّه إذا كرر مزاعمه الزائفة بصوتٍ عالٍ بما فيه الكفاية فإنّ السامعين سيصدقونه، لكنّهم لم يفعلوا.

مع ذلك، استمرّ قادة “جيش” الاحتلال في عقد مقارنات بين المقاومة الفلسطينية و”داعش” الإرهابية، في كلّ خطابٍ وبيانٍ علني تقريباً، من دون تقديم أيّ دليلٍ ملموس سوى التبجح والمزاعم.

وعلى سبيل المثال، ادعت “إسرائيل” أنّ حركة “حماس” قتلت نحو 1200 مستوطن إسرائيلي في 7 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، وبعد ذلك صعد الرقم إلى 1400 قتيل. ومع ذلك، منذ ذلك الحين، كشفت صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية وغيرها من وسائل الإعلام، أنّ الدبابات والطائرات الإسرائيلية، قتلت العديد من الجنود والمستوطنين في ذلك اليوم.

ولا تزال رواية “هآرتس” الإسرائيلية، تعامل على أنها حقيقة مزعجة اليوم، من قبل أولئك الذين يُنكرون الحقائق بشكلٍ أعمى، والذين لايزالون يُشيرون إلى مقتل الإسرائيليين بشعار “حماس هي داعش”. تستمع معظم شعوب العالم بذهول إلى تلك الأكاذيب وسط تساؤل عن توق النخب السياسية في الغرب (الذين اشتراهم ودفع ثمنهم اللوبي الصهيوني)، إلى هذا الحد في دعم ما هو واضح أنها “دولة” مارقة، لقد باعوا نزاهتهم بثمنٍ بخسٍ جداً.

لا أحد مُقتنع بأنّهم يُصدّقون الأكاذيب التي تُروّج لها “إسرائيل”، حتى لو كانت دولة الاحتلال سخية في تبرعات “الحملات الانتخابية” في الولايات المتحدة، حيث يعتمد العديد من هؤلاء السياسيين على هذه الديّة للحفاظ على مقاعدهم في “ديمقراطية الدولار” الأميركية

وكنتيجةٍ مُباشرة، يتعرّض الجمهور الغربي المُنهك بشكلٍ مُتزايد للإهانة مراراً من قبل الدعاية الإسرائيلية التي تُخطئ الهدف بشكلٍ كبير. واليوم، بعد أكثر من 100 يوم من العدوان الوحشي على الفلسطينيين، لا تزال حركة “حماس” مُتجذّرة بعمقٍ في غزّة، وتتعاظم ضرباتها بمواجهة هجوم “جيش” الاحتلال المزوّد بأحدث الأسلحة الأميركية.

“إسرائيل” ومؤيدوها الحمقى يتجاهلون على طريقتهم، الحاضنة الاجتماعية الفلسطينية لحركة “حماس” ولكل فصائل المقاومة. وقد أدّت حساباتهم الخاطئة هذه إلى فشلٍ ذريع في ميدان المواجهة المباشرة، حيث تُرك جُنود الاحتلال يتخبّطون باليأس والألم وبعيدون كثيراً عن “النصر” وعن تدمير “حماس” أكثر.

لا شك أنّ العدوان الإسرائيلي على غزّة، أدّى إلى تدمير معظم البنى التحتية والفوقية في القطاع وشرّدت جميع السكان تقريباً وقتلت أكثر من 25000 فلسطيني، إلا أنّ هذا يبدو على نحوٍ مُتزايد وكأنّه حربٌ لا يمكن لـ”إسرائيل” أن تأمل في الفوز بها.

وما الخطاب الإسرائيلي الذي يُقارن حركة “حماس” مع “داعش” سوى أضاليل لا تقنع الجمهور الإسرائيلي الذي يعرف ببساطة أنّ هذا غير صحيح. يجب على هؤلاء السياسيين والمسؤولين الذين يُرددون الأكاذيب الدعائية الإسرائيلية مراراً، مثل وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن أن يتذكروا أنّ التزوير والنفاق المتعمد المماثل دمّر سمعة أحد أسلافه، الراحل كولن باول. فالحقيقة الناصعة، تظهر أنّ قوة واحدة فقط قد قلّدت “داعش”، وهي “إسرائيل” وليست “حماس”.

أيّ شخصٍ من أصلٍ يهودي من أيّ مكانٍ في العالم يستطيع الالتحاق بـ”جيش” الاحتلال الإسرائيلي. كذلك، هي “داعش” تجذب مجندين من جميع أنحاء العالم، بما في ذلك أوروبا وآسيا والشرق الأوسط وشمال أفريقيا ودول “الاتحاد السوفيتي” السابق.

على عكس “إسرائيل” و”داعش”، “حماس”، هي حركةُ مقاومةٍ وتحررٍ وطني فلسطيني من الاحتلال الإسرائيلي، وكل منتسبيها من الفلسطينيين. ولم تقم الحركة أبداً بأيّ عمليةٍ خارج حدود فلسطين التاريخية، حيث يعيش الفلسطينيون تحت الاحتلال العسكري الإسرائيلي الوحشي.

إنّ المقاومة ضد الاحتلال العسكري مشروعة بموجب القانون الدولي. فـ”إسرائيل” وحلفاؤها هم الذين ينتهكون القانون عندما يُصنفون “حماس” على أنّها “كيانٌ إرهابي عالمي”. قد لا تُحبّ واشنطن ولندن ذلك، لكن هذا هو الواقع.

علاوةً على ذلك، هناك حقيقة مُزعجة يتجاهلها الغرب بانتظام وهي أنّ “حماس” فازت في انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني في عام 2006. ولم تقبل “إسرائيل” ولا حلفاؤها النتيجة في عام 2007.

وعلى الرغم من المقاطعة والحصار الدوليين، خلال عقدين من الزمن على رأس السلطة في غزّة، طوّرت حركة “حماس” نظام حكم لا يشمل جناحها العسكري فحسب، بل يشمل أيضاً عشرات الآلاف من المعلمين وموظفي الخدمة المدنية والشرطة. وتحظى بدعمٍ كبير في الضفة الغربية وقيادة منفية منتشرة في جميع أنحاء العالم العربي وخارجه. الحركة أكبر بكثير وأكثر تطوراً مما يُوحي به الخطاب الإسرائيلي. و”حماس” بشكلٍ أو بآخر ستكون دائماً فاعلة في المجتمع والحياة والسياسة الفلسطينية.

ولعلّ هذا يُفسّر سبب اعتراف  الرئيس السابق للمكتب الفلسطيني في المخابرات العسكرية الإسرائيلية، والخبير في الشؤون الفلسطينية في جامعة “تل أبيب”، مايكل ميلشتاين، مؤخراً بأنّ مُقارنة “حماس” بـ”داعش” مُضللة.

مع ذلك، تستمر “تل أبيب” بتوسيع هجومها البربري على سكان قطاع غزّة الأبرياء، علّها تجد صورةً لنصرٍ ما في المزيد من قتلها للأطفال مستخدمة تكتيكات “داعش” الدموية.

الحقيقة، أنّ “جيش” الاحتلال الإسرائيلي و”داعش” تُفاحٌ فاسد من معينٍ واحد. وقد توصل كلاهما إلى الأعذار الزائفة في قتل المدنيين الأبرياء بشكلٍ مُتعمّد. وكما يرى “جيش” الاحتلال الإسرائيلي حركة “حماس” في كلّ مكان، رأت عصابات “داعش”(عبدة الأوثان) في كلّ زاوية. وقد استهدف كلاهما مواقع ذات أهمية أثرية وثقافية ودينية. لهذا، دان الغرب “داعش” باعتبارها عدواً للثقافة والحضارة، لكنّه يُكافح للعثور على الكلمات المناسبة لوصف سياسة الأرض المحروقة التي تنتهجها حكومة “تل أبيب”.

وقد دنّست الجرافات المدرعة لـ”جيش” الاحتلال مُعظم المواقع المسيحية والإسلامية في غزّة. وأفادت شبكة “سي أن أن” عن تدنيس 16 مقبرة إسلامية وأكثر من 1000 مسجد وكنيسة بُنيت قبل نحو ألف عام في قطاع غزّة. كذلك، انتزعت جثث الفلسطينيين من القبور وتركت في العراء. تذكر صور التوحش الإسرائيلي ببلطجية “داعش” الذين دمروا أنقاض معبد “بعل شامين” في مدينة تدمر في سوريا.

لم يكن هناك شيءٌ مُتحضّر في سلوك “جيش” الاحتلال الإسرائيلي، بغضّ النظر عما يزعمه بنيامين نتنياهو، ولا يُمكن لأيّ “حضارة” أن تتغاضى عما فعلته قواته. يتفوق “الجيش” الإسرائيلي على بلطجية “داعش” في سوء انضباطه وتجاهله التام للقوانين والاتفاقيات الدولية، ومن المؤكد أنّ مُحاكمة “إسرائيل” على الجرائم المُرتكبة ضد الإنسانية وجرائم الحرب والإبادة قادمة لا محالة.

مقالات ذات صلة