سيناريوهات ما بعد الصدمة.. أيّ تأثيرات في مستقبل المعركة!

التداعيات الناتجة من معركة “طوفان الأقصى” كانت كبيرة وفارقة، ويحتاج الخروج منها إلى عمل كبير يُفضي، في مرحلة ما، إلى محاصرة تداعياتها، وتجاوز تأثيراتها.

أحمد عبد الرحمن

 

تبدو فرص استعادة العدو الصهيوني جزءاً من ماء وجهه، الذي أُريق عند حدود قطاع غزة، شبه معدومة، حتى لو مارس كل أنواع القتل والإجرام بحق المدنيين العزل في قطاع غزة.


فما جرى صبيحة السابع من تشرين الأول/أكتوبر الحالي يكاد يكون القشة التي قصمت ظهر البعير الإسرائيلي إلى الأبد، على الرغم من محاولاته المستميتة إصلاح بعض مما كُسر، وترقيع جزء مما فُتق.
وفي الحقيقة، على الرغم من مرور أسبوع على غزوة “طوفان الأقصى” الفدائية، والتي استهدفت فيها المقاومة الفلسطينية، بصورة غير مسبوقة، مستعمرات العدو ومواقعه فيما يُسمى منطقة غلاف غزة، وعلى الرغم من تطور الأحداث بصورة دراماتيكية، ولا سيما على صعيد ارتكاب قوات الاحتلال مجازر ومذابح ضد أهالي القطاع الصامد، راح ضحيتها حتى كتابة هذا المقال أكثر من 1900 شهيد، وأكثر من سبعة آلاف جريح ومصاب،  كانت حصة الأسد فيها من نصيب الأطفال والنساء وكبار السن، فإن مفاعيل هذه الهجمة ما زالت تتوالى وتتوسع، وتأخذ منحنيات لم يكن يتوقعها أحد.
منها على سبيل المثال لا الحصر، التدخل الفاضح، أميركياً وغربياً، إلى جانب العدو الصهيوني، وإمداده بالصواريخ والقنابل والطائرات المسيرة، وتشكيل غطاء سياسي وغطاء قانوني للإبادة الجماعية التي يقوم بها، بالإضافة إلى غياب شبه كلي للمواقف العربية والإسلامية الجادة، والتي يمكن أن تُفضي إلى وقف العدوان، أو تخفيف حدته، في أقل تقدير، باستثناء بعض المواقف الخجولة، والتي لا تكاد تصلح لتشكيل أرضية صلبة قد تؤدي إلى لجم الهجوم الإسرائيلي.
وبالتالي، في ضوء المعطيات القائمة، والتي تميل فيها موازين القوى لمصلحة حلف الشر والعدوان، بقيادة رأس الشر أميركا، وبدعم واضح ومكشوف من دول غربية وأوروبية، كانت على الدوام في صف أعداء الأمة، فإنه يمكن لنا أن نتوقع عدة سيناريوهات للمرحلة المقبلة، والتي يمكن لبعضها أن يشكل تغييراً جوهرياً في المستوى الجيوسياسي في المنطقة.

أولاً: حملة جوية طويلة زمنياً

في ضوء سعي “إسرائيل” الواضح للانتقام والثأر مما جرى لجنودها ومستوطنيها في هجوم السبت الكاسح، فإن احتمال استمرارها في تنفيذ عمليات قصف جوي لمناطق واسعة وآهلة من أراضي قطاع غزة، مدةَ شهر أو أكثر، وما ينتج من ذلك من شطب لعوائل كاملة من صفحات السجل المدني، أمرٌ وارد بقوة، وخصوصا في ظل صمت مطبق، عربياً وإسلامياً، في مقابل دعم قد يصل إلى حد المشاركة الفعلية من أميركا وشركائها.
هذا الأمر، الذي يترك آثاراً كارثية في مجمل الحياة في القطاع المحاصر، والذي يأتي في موازاته تشديد الحصار، وقطع الكهرباء والمياه والمواد الغذائية والضرورية، قد يبدو في مرحلة ما كافياً لنتنياهو وائتلافه لتسويقه على أنه رد ملائم لما جرى شرقي غزة، وأنه يصلح ليكون فصل الختام لمعركة خسرها الإسرائيلي من أول ساعة.

ثانياً: التوغل البري

نظراً إلى أن الضربة، التي وجهتها المقاومة إلى جيش الاحتلال، كانت قاسية وغير مسبوقة، والتي نتج منها سقوط أكثر من 1500 قتيل، و3000 جريح، وعشرات الأسرى، فإن احتمال أن يكتفي نتنياهو بعمليات القصف الجوي الموسعة وطويلة الأمد قد يبدو خياراً منطقياً، إذ إن تواصل ارتفاع  عدد القتلى والجرحى والأسرى في صفوف الجيش والمستوطنين قد يدفعه إلى تطوير الهجوم الجوي إلى توغل بري، يصل من خلاله إلى مسافة تتراوح بين خمسمئة متر وألف متر داخل حدود القطاع، ولا سيما من الناحيتين الشرقية والشمالية، إلى جانب تنفيذ عمليات إنزال بحري على طول شاطئ القطاع، على نحو يضمن تنفيذ عملية إطباق على المقاومين الفلسطينيين.
وربما يتطور الهجوم، إن كانت الظروف مواتية، إلى توغل عميق، يتم من خلاله احتلال مفارق الطرق الرئيسة، وتقسيم القطاع إلى ثلاثة أو أربعة أجزاء، مع تنفيذ عمليات تهجير واسعة بحق المدنيين الفلسطينيين.

ثالثاً: حرب إقليمية

بما أن محور المقاومة في المنطقة أعلن أكثر من مرة، كان آخرها يوم الجمعة على لسان نائب الأمين العام لحزب الله، الشيخ نعيم قاسم، أنه لن يترك المقاومة في فلسطين وحدها تواجه قوى الشر والعدوان، وأنه لن يخذلها ولن يتخلى عنها، فإنه يمكن لنا أن نتوقع توسع نطاق المعركة على المستوى الجغرافي، بحيث تشمل جبهات أخرى، تأتي الجبهة الشمالية على رأسها، وفي قلبها.
وبالتالي، تذهب المعركة حينها إلى بعدها الإقليمي، والذي يمكن أن يغير قواعد الاشتباك بصورة جذرية، الأمر الذي يدفع الاحتلال إلى مراجعة حساباته وخياراته، على نحو يمكن أن يُوقف المعركة، أو يقصّر مدتها الزمنية.

رابعاً: وقف إطلاق النار من دون اتفاق

في كل المعارك السابقة، كان العدو يسعى لإنهاء القتال من دون اتفاق ملزم، قد يكبّل يديه عن مواصلة جرائمه في أوقات لاحقة. وعلى رغم أن مجموعة من تلك المعارك نتجت منها اتفاقات تهدئة مكتوبة، وقع عليها رعاة إقليميون وأمميون فإن الاحتلال تنصّل منها على الدوام، ولم يُلقِ لها بالاً.
بناءً عليه، يمكن أن يذهب الاحتلال إلى وقف إطلاق النار بعد فترة معينة، يرتئي أنه حقق فيها بعض الإنجازات، على أمل أن تُفضي مباحثات لاحقة إلى الوصول إلى حلول مقبولة فيما يتعلق بمسألة الأسرى الصهاينة، والتي لن تكون، في أي حال من الأحوال، سهلة.

خامساً: صفقة شاملة

بحيث إن التداعيات الناتجة من معركة “طوفان الأقصى” كانت كبيرة وفارقة، ويحتاج الخروج منها إلى عمل كبير يُفضي، في مرحلة ما، إلى محاصرة تداعياتها، وتجاوز تأثيراتها، فإنه يرجَّح أن تذهب الأمور، بعد توقف القتال، إلى مفاوضات طويلة ومعقدة، يتم التوصل بعدها إلى صفقة شاملة، تتضمّن تبييض السجون الاسرائيلية من الأسرى الفلسطينيين، وإعادة إعمار قطاع غزة، ورفع الحصار عنه، في مقابل إطلاق سراح الأسرى الصهاينة، وربما الوصول إلى تهدئة قد تصل إلى عشرة أعوام، في أقل تقدير.
قد يبدو بعض السيناريوهات السابقة متشائماً بعض الشيء، وربما تبدو أخرى متفائلة، ولو بصورة حذرة، إلا أن المتأمل لمجريات الأحداث الجارية يجد أن النهاية الطبيعية للحرب القائمة يجب أن تكون في مصلحة قوى المقاومة الفلسطينية، التي اجترحت المستحيل في معركة “طوفان الأقصى”، وحقّقت ما لم تحققه جيوش كبرى، وقوى عظمى.
وعلى الرغم من حجم التضحيات الهائلة، والتي قدّمها الشعب الفلسطيني، وبذل فيها دمه وأشلاءه في مواجهة “دولة” الاحتلال، فإن النتائج المنتظَرة، نتيجة لهذه التضحيات، ستكون كبيرة جداً، تتجاوز كل ما تمّت مراكمته، خلال المواجهات الماضية.

مقالات ذات صلة